69
بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)

تَغافُل ؛ لأنّ الإنسان لا يتغافل إلاّ عن شيء قد عرفه ففطن له . ۱
واعلم أنّ الساعات تذهب عمرك ، وإنّك لا تنال نعمة إلاّ بفراق اُخرى ، فإيّاك والأمل الطويل ، فكم من مؤمِّلٍ أملاً لا يبلغه ، ولجامع مال لا يأكله ، ومانع مال سوف يتركه ، ولعلّه من باطل جمعه ، ومن حقّ منعه ، أصابه حراما ، وورثه عدوا احتمل اِصرَهُ ، وباءَ بِوِزْرِه . « ذَ لِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ »۲ . ۳

(ومن وصيّة له عليه السلام)

(أيضا لابنه محمّد الباقر عليه السلام في النّهي عن مصاحبة الأحمق)

۰.قال : إيّاك يا بنيّ أن تُصاحب الأحمق أو تخالطه! واهجره ولا تحادثُه ، فإن الأحمق هَجْنةٌ ۴ عيّابٌ ۵ غائبا كان أو حاضرا ، إن تكلّم فضحه حمقه ، وإن سكت فقرَّ به عنه ، وإن عمل أفسد ، وإن استرعى أضاع ، لا علمه من نفسه يغنيه ، ولا علم غيره ينفعه ، ولا يطيع ناصحه ، ولا يستريح مقارنه ، تودّ أُمّه لو أنّها ثكلته ، وامرأته أنها فقدته ، وجاره بعد داره ، وجليسه الوحدة من مجالسته ، إن كان أصغر مَن في المجلس ، أغنى من فوقه ، وإن كان أكبرهم أفسدهم من دونه . ۶
أقول : ويجيء في الباب الثالث من هذا الكتاب حديثه مع ابنه عليه السلام ، يحذّره من المصاحبة بأشخاص ، منهم الأحمق .

1.قال الحافظ : لم يجعل لغير الفطنة نصيبا من الخير ، ولا حظّا من الصلاح : لأنّ الإنسان لا يتغافل عن شيء إلاّ وقد عرفه وفطن له . قال الشاعر : ليس الغبيّ بسيّد في قومهلكنّ سيّد قومه المُتَغابي

2.الحج : ۱۱ .

3.كفاية الأثر ، ص۲۳۹ ، عنه في مستدرك الوسائل ، ج۹ ، ص۳۷ ، ح۱۰۱۳۹.

4.«الهَجْنة» : القبيح وما يعيبه الإنسان ، و«العبّن» ـ بتشديد النون ـ : الغليظ الخشن .

5.في نسخة : «عَبّنٌ» ، والعيّاب والعيّابة والعيبة : الكثير العيب للنّاس .

6.الأمالي، الطوسي، ص۶۱۳، ح۱۲۶۸ ؛ وسائل الشيعة ، ج۱۲،ص۳۴، ح۱۵۵۶۹، بحار الأنوار ، ج۷۴، ص۱۹۸.


بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
68

وإنّ الامام في هذه الكلمات ، يشرح الاختلاف ، وما كان له من آثار سيئة ، ونتائج وخيمة ، ويبيّن أنّ الطريق الوحيد للتخلّص منه ، هو الآخذ بتعاليم أهل البيت عليهم السلام ، والتمسك بحبالهم «وأهل البيت أدرى بما في البيت» ، وكما أمر النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله وجدّهم المعظّم بالاقتداء بهم ، وأقرنهم بالكتاب الكريم في ذلك الحديث المشهور المتواتر ، الّذي جاء عن طرق كثيرة ، وردت عن نيّف وعشرين صحابيّا . ۱

(ومن وصية له عليه السلام)

(وصّى بها ابنه محمد بن علي الباقر عليهماالسلام )

۰.وذلك لمّا مرض عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام في مرضه الّذي توفي فيه ، فجمع أولاده محمّد ا عليه السلام والحسن ، وعبد اللّه ، وعمر ، وزيد ، والحسين ، وأوصى إلى ابنه محمّد بن علي الباقر عليه السلام ، وكنّاه الباقر ، وجعل أمرهم إليه ، وكان فيما وعظه في وصيّته أن قال :
يا بنيّ ، إنّ العقل رائد الروح ، والعلم رائد العقل ، والعقل ترجمان العلم ، واعلم إنّ العلم أبقى ، واللسان أكثر هَذَرا ۲ ، واعلم يا بني إنّ صلاح شأن الدنيا ۳ بحذافيرها في كلمتين بهما إصلاح شأن المعايش ؛ مِلْ ءُ مِكيالٍ ثُلثاه فطنة ، وثُلْثُه

1.أُنظر : تعريب عبقات الأنوار ، ج ۱ ، ص ۲۷۷ ، ط قم ، ولفظ الحديث ما ذكره في الصواعق ، ص ۲۵ ، عن الطبراني وغيره بسند صحيح أنّه صلى الله عليه و آله قال : إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا ، كتاب اللّه وعترتي .

2.«الهَذَر» : اسم بمعنى الكثير الردىٌ ، سقط الكلام الّذي لايُعبأ به .

3.في نسخةٍ : «اصلاح الدنيا» .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
    المساعدون :
    الحائری، جعفر عباس
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 308375
الصفحه من 336
طباعه  ارسل الي