123
بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)

المتدهقنين ، فأمّا التذلل والتمسكن فلا كلفة فيهما ، ولا مؤونة عليهما ؛ لأنّهما الخلقة ، وهما موجودان في الطبيعة ، ولا قوّة إلاّ باللّه .

ثمّ حقوق الأئمّة

14 . فأمّا حقّ سائسك بالسّلطان :

۰.فأن تعلم إنّك جُعلت له فتنةً ، وأنّه مُبتلى فيك بما جعله اللّه له عليك من السلطان ، وأن تخلص له في النصيحة ، وألاّ تماحكه ۱ وقد بُسطت يده عليك ، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه . وتذلّل وتلطّف لإعطائه من الرضا ما يكفُّه عنك ، ولا يضرُّ بدينك ، وتستعين عليه في ذلك باللّه ، ولا تُعازّه ۲ ولا تُعانده ، فإنّك إن فعلت ذلك عققته وعققت نفسك ، فعرّضتها لمكروهة ، وعرّضته للهلكة فيك، وكنت خليقا أن تكون معينا له على نفسك ، وشريكا له فيما أتى إليك ، ولا قوّة إلاّ باللّه .

15 . فأمّا حق سائسك بالعلم ۳

۰.فالتّعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحُسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه ، والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم ، بأن تفرغ له عقلك ، وتحضره فهمك ، وتزكّي له قلبك ، وتجلي له بصرك بترك اللَّذات ، ونقض الشهوات ، وأن تعلم أنّك فيما ألقى إليك رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل ، فلزمك حسن التّأدية عنه إليهم ، ولا تَخنْهُ في تأدية رسالته والقيام بها عنه إذا تقلّدتها ، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه . ۴

1.«المماحكة» : الملاجة .

2.أي : لا تعارضه في العزّة والعظمة .

3.أي : مالك أمرك في التعليم ، من سست الرّعية ، أي ملكت أُمورهم .

4.وفي شرح آداب المتعلّمين للعلاّمة الجلالي ، ص ۷۷ ، لبعض علماء الزيديّة : اصبر عَلى مُرّ الجفا من معلّمٍفإنّ رسوب العلم في نَفَراتِه فمن لم يذق مُرّ التعلم ساعةتجرّع مُرّ الجهل طول حياته ومَن فاته التعليم وقت شبابهفكبِّر عليه مُعْلِنا لوفاته حياة الفتى واللّه بالعلم والتقىإذا لم يكن بالاعتبار بذاته


بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
122

11 . وأمّا حقّ الصوم :

۰.فأن تعلم أنّه حجاب ضربه اللّه على لسانك وسمعك وبصرك ، وفرجك وبطنك ؛ ليسترك به من النار ، وهكذا جاء في الحديث : «الصومُ جُنّةٌ من النار» ۱ ، فإن سكنت أطرافك في حجبتها ، رجوت أن تكون محجوبا ، وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها ، وترفع جنبات الحجاب ، فتطّلع إلى ما ليس لها بالنظرة الداعية للشّهوة ، والقوّة الخارجة عن حدّ التقية للّه ، لم تأمن من أن تخرق الحجاب ، وتخرج منه ، ولا قوّة إلاّ باللّه .

12 . وأمّا حقّ الصدقة :

۰.فأن تعلم أنّها ذخرك عند ربّك ، ووديعتك الّتي لا تحتاج إلى الإشهاد ، فإذا علمت ذلك كنت بما استودعته سرا ، أوثق منك بما استودعته علانية ، وكنت جديرا أن تكون أسررت إليه أمرا أعلنته ، وكان الأمر بينك وبينه فيها سرّا على كلّ حال ، ولم تستظهر عليه فيما استودعته منها بإشهاد الأسماع والأبصار عليه بها ، كأنّها أوثق في نفسك ، لا كأنّك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك ، ثُمَّ لم تمنّ بها على أحد ؛ لأنّها لك ، فإذا امتننت بها ، لم تأمن أن تكون بها ، مثل تهجين حالك منها إلى من مننت بها عليه ؛ لأنّ في ذلك دليلاً على أنّك لم ترد نفسك بها ، ولو أردت نفسك لم تمتنّ بها على أحد ، ولا قوّة إلاّ باللّه .

13 . وأمّا حقّ الهَدي :

۰.فأن تخلص ۲ بها الإرادة إلى ربّك ، والتعرّض لرحمته وقبوله ، ولا تريد عيون الناظرين دونه ، فإذا كنت كذلك ، لم تكن متكلّفا ولا متصنّعا ، وكنت إنّما تقصد إلى اللّه .
واعلم أنّ اللّه يُراد باليسير ولا يُراد بالعسير ، كما أراد بخلقه التيسير ، ولم يرد بهم التعسير ، وكذلك التذلّل أولى بك من التدهقن ۳ ؛ لأنّ الكلفة والمؤونة في

1.الكافي ، ج ۲ ، ص ۱۹ ؛ كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج ۲ ، ص ۷۴ .

2.وفي نسخة : «أن تخلس» ـ بالسّين ـ : الشيء سلبه بمخاتلة وعاجلاً .

3.«التّدهقن»: اصطناع الوجاهة .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
    المساعدون :
    الحائری، جعفر عباس
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 313679
الصفحه من 336
طباعه  ارسل الي