125
بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)

أن يحسن صحبة نعمة اللّه ، ويكرمها ويرفق بها ، وإن كان حقّك عليها أغلظ ، وطاعتك بها ألزم فيما أحببت وكرهت ، ما لم تكن معصية ، فإن لها حقّ الرحمة والمؤانسة ، وموضع السكون إليها قضاء اللّذة الّتي لابدّ من قضائها ، وذلك عظيم ، ولا قوّة إلاّ باللّه .

20 . وأمّا حقّ رعيّتك بملك اليمين :

۰.فأن تعلم أنّه خلق ربّك ، ولحمك ودمك ، وأنّك تملكه ، لا أنت صنعته دون اللّه ، ولا خلقت له سمعا ولا بصرا ، ولا أجريت له رزقا ، ولكنّ اللّه كفاك ذلك ، ثُمَّ سخّره لك ، وائتمنك عليه ، واستودعك إيّاه لتحفظه فيه ، وتسير فيه بسيرته ، فتطعمه ممّا تأكل ، وتلبسه ممّا تلبس ، ولا تكلّفه ما لا يطيق ، فإن كرهته ، خرجت إلى اللّه منه ، واستبدلت به ، ولم تعذّب خلق اللّه ، ولا قوّة إلاّ باللّه .

وأمّا حقّ الرحم

21 . فحقّ اُمّك :

۰.فأن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحمل أحدٌ أحدا ، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لم يطعم أحدٌ أحدا ، وأنّها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها ، وجميع جوارحها مستبشرةً بذلك فرحة ، مؤابلة ۱ محتملة لما فيه مكروهها وألمها ، وثقلها وغمّها ، حتّى دفعتها عنك يد القدرة ، وأخرجتك إلى الأرض ، فرضيت أن تشبع وتجوع هي ، وتكسوك وتعرى ، وتُرويك وتظمأ ، وتظلّك وتَضحى ، وتُنَعِّمُك ببؤسها ، وتلذّذك بالنَّوم بأرقها ، وكأن بطنها لك وعاءً ، وحجرها لك حواءً ، وثديها لك سقاءً ، ونفسها لك وقاءً ، تباشر حرّ الدنيا ، وبردها لك ودونك ، فتشكرها على قدر ذلك ، ولا تقدير عليه إلاّ بعون اللّه وتوفيقه .

1.«موبلة ومؤابلة» : المواظبة .


بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
124

16 . وأمّا حقّ سائسك بالمُلك :

۰.فنحو من سائسك بالسّلطان إلاّ أنّ هذا يملك ما لا يملكه ذلك،تلزمك طاعته فيما دقَّ وجلَّ منك ، إلاّ أن تخرجك من وجوب حقّ اللّه ، فإنّ حق اللّه يحول بينك وبين حقه وحقوق الخلق ، فإذا قضيته رجعت إلى حقّه ، فتشاغلت به ، ولا قوّة إلاّ باللّه .

ثُمَّ حقوق الرعيّة

17 . فأمّا حقوق رعيّتك بالسّلطان :

۰.فأن تعلم أنَّك إنّما استرعيتهم بفضل قوّتك عليهم ، فإنّه إنّما أحلّهم محلّ الرعيّة لك ضعفهم وذُلّهم ، فما أولى من كفاكه ضعفه وذله حتّى صيّره لك رعيّة ، وصيّر حكمك عليه نافذا ، لا يمتنع منك بعزّة ولا قُوّة ، ولا يستنصر فيما تعاظمه منك إلاّ باللّه ، بالرحمة والحياطة والأناة ، وما أولاك إذا عرفت ما أعطاك اللّه من فضل هذه العزّة والقوّة ـ الّتي قهرت بها ـ أن تكون للّه شاكرا ، ومَن شكر اللّه ، أعطاه فيما أنعم عليه ، ولا قوّة إلاّ باللّه .

18 . وأمّا حقّ رعيّتك بالعلم :

۰.فأن تعلم أنَّ اللّه قد جعلك لهم خازنا فيما آتاك من العلم ، وَوَلاّك من خزانة الحكمة ، فإن أحسنت فيما ولاّك اللّه من ذلك ، وقمت به لهم مقام الخازن الشفيع ۱ ، الناصح لمولاه في عبيده ، الصابر المحتسب ، الّذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال الّتي في يديه ، كنت راشدا ، وكنت لذلك آملاً معتقدا ، وإلاّ كنت له خائنا ، ولخلقه ظالما ، ولسلبه وعزّه مُتعرِّضا .

19 . وأمّا حقّ رعيّتك بملك النكاح :

۰.فأن تعلم أنَّ اللّه جعلها سكنا ومستراحا ، وأُنسا وواقية ، وكذلك كلّ واحد منكما ، يجب أن يحمد اللّه على صاحبه ، ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه ، ووجب

1.في بعض المصادر : «الشفيق» .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
    المساعدون :
    الحائری، جعفر عباس
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 313724
الصفحه من 336
طباعه  ارسل الي