23
بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)

أنت به ، شبّهوك وأنا بريءٌ يا إلهي مَن الّذين بالتّشبيه طلبوك! ليس كمثلك شيء ، إلهي ولن يدركوك ، وظاهر ما بهم من نعمة دليلهم عليك لو عرفوك! وفي خلقك يا إلهي مندوحة ۱ أن يتأوّلوك! بل ساووك بخلقك! فمِنْ ثَمَّ لم يعرفوك! واتّخذوا بعض آياتك ربّا! فبذلك وصفوك! فتعاليت يا إلهي عمّا به المشبّهون نعتوك . ۲

(ومن كلام له عليه السلام)

(يذكر فيه خلق العرش)

۰.قال : إنّ اللّه عز و جل خلق العرش أرباعا ، لم يخلق قبله إلاّ ثلاثة أشياء ، الهواء ، والقلم والنور ، ثُمَّ خلقه من أنوار مختلفة ، فمن ذلك النور نور أخضر اخضرّت منه الخضرة ، ونور أصفر اصفرّت منه الصفرة ، ونور أحمر ، احمرّت منه الحمرة ، ونور أبيض ، وهو نور الأنوار ، ومنه ضوء النهار ۳ ، ثُمَّ جعله سبعين ألف طبق ، غلظ كل طبق كأوّل العرش إلى أسفل السافلين ، ليس من ذلك طبق إلاّ يسبّح بحمد ربّه ، ويقدّسه بأصوات مختلفة ، وألسنة غير مشتبهة ، ولو أُذن للسان منها فأسمعَ شيئا ممّا تحته لهدم الجبال والمدائن والحصون ، ولخسف

1.«مندوحة»: الفسحة والوسعة .

2.الإرشاد ، ج۲ ، ص۱۵۲ ؛ كشف الغمة ، ج۲ ، ص۳۰۱ ؛ نقله المجلسي في بحار الأنوار ، ج۳ ، ص۲۹۳ ، ح۱۵ ؛ وذكر مثله الصدوق في الأمالي ، ص۴۸۷ عن الإمام الرضا عليه السلام ؛ وكذا في التوحيد ، ص۱۲۴ ، ح۲ ؛ والعيون ، ج۱ ، ص۱۱۶ ، ح۵ ؛ والطبري في بشارة المصطفى ، ص۳۲۰ . وقيل لأبى الحسن الأوّل عليه السلام : بما اوحّد اللّه ؟ فقال له : لا تكوننّ مبتدعا ، من نظر برأيه هلك ، ومن ترك اهل بيت نبيّه ضلّ . الكافي ج ۱ ص ۵۶ .

3.قال الشهرستاني في المعارف العالية ، ص ۳۳ : كان العلماء في خلال أعصار مرّت على هذا الحديث يعدونه من المتشابه الّذي لا يعرف تأويله ، حتّى وقفت سنة ۱۳۳۵ق على جزء الطبيعيات من النقش في الحجر تأليف فانديك الأمريكي ، فإذا به يحلل ضوء الشمس إلى أنوار مختلفة هي : النور الأخضر ، ومنه تبدو الخضرة على الأجسام ، والنور الأحمر ومنه تبدو الحمرة ... الخ ، زاعما أن الّذي اكتشف هذه الحقيقة قبل كل أحد هو إسحاق نيوتن الإنجليزي (م ۱۱۴۰ق) ، فعرفت تأويل الحديث ـ إلى أن يقول ـ : غير أن الدين الإسلامي نطق به على لسان أوليائه وأُمنائه قبل ألف وقرون .


بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
22

(ومن كلام له عليه السلام)

(في التوحيد ۱ )

۰.وذلك لما دخل عليّ بن الحسين عليه السلام مسجد المدينة ، فرأى قوما يختصمون ، قال عليه السلام لهم : فيما تختصمون؟ قالوا : في التوحيد . قال عليه السلام : اعرضوا عليَّ مقالتكم . قال بعض القوم : إن اللّه يُعرف بخلق سماواته وأرضه ، وهو في كل مكان . ۲
قال عليّ بن الحسين عليه السلام : قولوا : نور لا ظلام فيه ، وحياة لا موت فيه ، وصمد لا مدخل فيه ، ثُمَّ قال عليه السلام : من كان ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، و كان نعته لا يشبه نعت شيء فهو ذاك . ۳
وفي رواية اُخرى ، لما كان عليه السلام في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم إذ سمع قوما يشبّهون اللّه بخلقه ، ففزع لذلك وارتاع له ، ونهض حتّى أتى قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فوقف عنده ، ورفع صوته يناجي ربّه ، فقال في مناجاته :
إلهي بدت قدرتك ، ولم تبدُ هيبة ۴ ، فجهلوك وقدّروك بالتقدير على غير ما

1.قال العلاّمة المجلسي رحمه الله : اعلم أن التوحيد يطلق على معان ، أحدهما نفي التشريك في الإلهية ، أي استحقاق العبادة ، وهي أقصى غاية التذلل والخضوع ، ولذا لا يستعمل إلاّ في التذلل للّه تعالى ؛ لأنه هو المولى لأعظم النعم ، بل جميعها ، فهو المنتهى لأقصى الخضوع وغايته ، والمخالف في ذلك مشركو العرب وأضرابهم ، فإنّهم بعد علمهم بأن صانع العالم واحد ، كانوا يشركون الأصنام في عبادته . ثانيها : نفي التشريك في صانعية العالم ، والمخالف في ذلك الثنوية وأضرابهم . ثالثها : ما يشمل المعنيين المتقدمين وتنزيهه عما لا يليق بذاته وصفاته تعالى من النقص والعجز والجهل والتركيب والاحتياج والمكان ، وغير ذلك من الصفات السلبية ، وتوصيفه بالصفات الثبوتية الكمالية . رابعها : ما تشمل تلك المعاني وتنزيهه عما يوجب النقص في أفعاله أيضا من الظلم وترك اللطف وغيرها . وبالجملة بكل ما يتعلق به سبحانه تعالى ذاتا وصفاتا وأفعالاً إثباتا ونفيا .

2.وقال الصادق عليه السلام : ايّاكم والخصومة في الدين ، فانها تشغل القلب ، عن ذكر اللّه ، وتورث النفاق ، وتكسب الضغائن ، وتستجيز الكذب . الأمالي ، الصدوق ، ص ۳۴۰ .

3.جامع الأخبار ، ص۳۸ ، ح۲۷ ، نقله المجلسي في بحار الأنوار ، ج۴ ، ص۳۰۴ ، ح۳۳ .

4.ليس في المصدر : جلالك ، في بعض النسخ : هيبة .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
    المساعدون :
    الحائری، جعفر عباس
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 246206
الصفحه من 336
طباعه  ارسل الي