يَتَوَفّاكُم مَلَكُ المَوتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُم ...) الآية ، وحاصل الجواب : أنّ هناك ملكاً موكّلاً بكم هو يتوفّاكم ويأخذكم ، ولا يدعكم تضلّوا وأنتم في قبضته وحفاظته، وما تضلّ في الأرض إنّما هو أبدانكم لا نفوسكم التي هي المدلول عليها بلفظ «كم» فإنّه يتوفّاكم .
ومن الآيات قوله تعالى : (ونَفَخَ فيهِ مِن رُوحِهِ ...) الآية1 ، ذكره في خلق الإنسان ثمّ قال تعالى : (يَسْألونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أمْرِ رَبِّي)2 فأفاد أنّ الرّوح من سنخ أمره ، ثمّ عرّف الأمر في قوله تعالى : (إنَّما أمْرُهُ إذا أرادَ شَيْئاً أن يَقولَ لَهُ كُنْ فَيَكونُ * فَسُبْحانَ الّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ)3فأفاد أنّ الروح من الملكوت ، وأنّها كلمة «كُن» . ثمّ عرّف الأمر بتوصيفه بوصف آخر بقوله : (وَما أمْرُنا إلّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بالبَصَرِ)4 ، والتعبير بقوله : (كَلَمْحٍ بِالبَصَرِ) يعطي أنّ الأمر الذي هو كلمة «كُن» موجود دفعيّ الوجود غير تدريجيّه ، فهو يوجد من غير اشتراط وجوده وتقييده بزمان أو مكان ، ومن هنا يتبيّن أنّ الأمر - ومنه الروح - شيء غير جسمانيّ ولا مادّيّ ، فإنّ الموجودات المادّيّة الجسمانيّة من أحكامها العامّة أنّها تدريجيّة الوجود ، مقيّدة بالزمان والمكان ، فالروح التي للإنسان ليس بمادّيّة جسمانيّة ، وإن كان لها تعلّق بها .
وهناك آيات تكشف عن كيفيّة هذا التعلّق ، فقد قال تعالى : (مِنْها خَلَقْناكُمْ)5 ، وقال تعالى : (خَلَقَ الإنْسانَ مِن صَلْصالٍ كالفَخّارِ)6 ، وقال تعالى : (وبَدَأ خَلْقَ الإنسانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِن ماءٍ مَهينٍ)7 ، ثمّ قال سبحانه وتعالى : (ولَقَد خَلَقْنا الإنْسانَ من سُلالَةٍ من طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً في قَرارٍ مَكينٍ * ثُمَّ خَلَقْنا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فخَلَقْنا العَلَقَة مُضْغَةً فَخَلَقْنا المُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنا العِظامَ