يَسيرٌ)1 ؛ فإنّ الآية دعت إلى ترك الأسى والفرح بأنّ الذي أصابكم ما كان ليخطئكم وما أخطأكم ما كان ليصيبكم، لاستناد الحوادث إلى قضاء مقضيّ وقدر مقدّر ، فالأسى والفرح لغوٌ لا ينبغي صدوره من مؤمن يؤمن باللَّه الذي بيده أزمّة الاُمور ، كما يشير إليه قوله تعالى : (ما أصابَ مِن مُصيبَةٍ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ ومَن يُؤمِنْ باللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)2 ؛ فهذا القسم من الآيات أيضاً نظير القسم السابق الذي يتسبّب فيه إلى إصلاح الأخلاق بالغايات الشريفة الاُخرويّة ، وهي كمالات حقيقيّة غير ظنّيّة يتسبّب فيه إلى إصلاح الأخلاق بالمبادئ السابقة الحقيقيّة ، من القدر والقضاء والتخلّق بأخلاق اللَّه والتذكّر بأسماء اللَّه الحسنى وصفاته العليا ونحو ذلك .
فان قلت : التسبّب بمثل القضاء والقدر يوجب بطلان أحكام هذه النشأة الاختياريّة ، وفي ذلك بطلان الأخلاق الفاضلة ، واختلال نظام هذه النشأة الطبيعيّة ، فإنّه لو جاز الاستناد في إصلاح صفة الصبر والثبات وترك الفرح والأسى - كما استفيد من الآية السابقة - إلى كون الحوادث مكتوبة في لوح محفوظ ومقضيّة بقضاء محتوم ، أمكن الاستناد إلى ذلك في ترك طلب الرزق ، وكسب كلّ كمال مطلوب ، والاتّقاء عن كلّ رذيلة خلقيّة وغير ذلك ، فيجوز حينئذٍ أن نقعد عن طلب الرزق والدفاع عن الحقّ ونحو ذلك بأنّ الذي سيقع منه مقضيّ مكتوب ، وكذا يجوز أن نترك السعي في كسب كلّ كمال وترك كلّ نقص بالاستناد إلى حتم القضاء وحقيقة الكتاب ، وفي ذلك بطلان كلّ كمال .
قلت : قد ذكرنا في البحث عن القضاء ما يتّضح به الجواب عن هذا الإشكال ، فقد ذكرنا ثَمّ أنّ الأفعال الإنسانيّة من أجزاء علل الحوادث ، ومن المعلوم أنّ المعاليل والمسبَّبات