يتوقّف وجودها على وجود أسبابها وأجزاء أسبابها ، فقول القائل : إنّ الشبع إمّا مقضيّ الوجود وإمّا مقضيّ العدم ، وعلى كلّ حال فلا تأثير للأكل ، غلط فاحش ؛ فإنّ الشبع فرض تحقّقه في الخارج لا يستقيم إلّا بعد فرض تحقّق الأكل الاختياريّ الذي هوأحد أجزاء علله ، فمن الخطاء أن يفرض الإنسان معلولاً من المعاليل ، ثمّ يحكم بإلغاء علله أو شيء من أجزاء علله .
فغير جايز أن يبطل الإنسان حكم الاختيار الذي عليه مدار حياته الدنيويّة ، وإليه تنتسب سعادته وشقاؤه ، وهو أحد أجزاء علل الحوادث التي تلحق وجوده من أفعاله أو الأحوال والملكات الحاصلة من أفعاله ، غير أنّه كما لا يجوز له إخراج إرادته واختياره من زمرة العلل ، وإبطال حكمه في التأثير ، كذلك لا يجوز له أن يحكم بكون اختياره سبباً وحيداً وعلّة تامّة إليه تستند الحوادث ، من غير أن يشاركه شيء آخر من أجزاء العالم والعلل الموجودة فيه التي في رأسها الإرادة الإلهيّة ؛ فإنّه يتفرّع عليه كثير من الصفات المذمومة كالعُجب والكبر والبخل والفرح والأسى والغمّ ... ونحو ذلك .
يقول الجاهل : أنا الذي فعلت كذا وتركت كذا، فيعجب بنفسه أو يستكبر على غيره أو يبخل بماله ، وهو جاهل بأنّ بقيّة الأسباب الخارجة عن اختياره الناقص - وهي اُلوف واُلوف - لو لم يمهد له الأمر لم يسدّ اختياره شيئاً ، ولا أغنى عن شيء . يقول الجاهل : لو أنّي فعلت كذا لما تضرّرت بكذا ، أو لما فات عنّي كذا ، وهو جاهل بأنّ هذا الفوت أو الموت يستند عدمه - أعني الربح أو العافية ، أو الحياة - إلى اُلوف واُلوف من العلل يكفي في انعدامها - أعني في تحقّق الفوت أو الموت - انعدام واحد منها ، وإن كان اختياره موجوداً . على أنّ