النفس - الصفحه 33

نفس اختيار الإنسان مستند إلى‏ علل كثيرة خارجة عن اختيار الإنسان ، فالاختيار لا يكون بالاختيار .
فإذا عرفت ما ذكرنا - وهو حقيقة قرآنيّة يعطيها التعليم الإلهيّ كما مرّ - ثمّ تدبّرت في‏الآيات الشريفة التي في المورد ، وجدت أنّ القرآن يستند إلَى القضاء المحتوم والكتاب المحفوظ في إصلاح بعض الأخلاق دون بعض .
فما كان من الأفعال أو الأحوال والملكات يوجب استنادُها إلَى القضاء والقدر إبطالَ حكم الاختيار فإنّ القرآن لا يستند إليه ، بل يدفعه كلّ الدفع ، كقوله تعالى‏ : (وإذا فَعَلوا فاحِشَةً قالوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أمَرَنا بِها قُلْ إنَّ اللَّهَ لا يَأمُرُ بالفَحْشاءِ أتَقُولُونَ علَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ)۱.
وما كان منها يوجب سلبُ استنادها إلى القضاء إثباتَ استقلال اختيار الإنسان في التأثير ، وكونه سبباً تامّاً غير محتاج في التأثير، ومستغنياً عن غيره ، فإنّه يثبت استناده إلَى القضاء ويهدي الإنسان إلى‏ مستقيم الصراط الذي لا يخطئ بسالكه ، حتّى‏ ينتفي عنه رذائل الصفات التي تتبعه ، كإسناد الحوادث إلَى القضاء كي لا يفرح الإنسان بما وجده جهلاً ، ولا يحزن بما فقده جهلاً ، كما في قوله تعالى‏ : (وآتُوهُمْ مِن مالِ اللَّهِ الّذِي آتاكُم)۲ ، فإنّه يدعو إلَى الجود بإسناد المال إلى‏ إيتاء اللَّه تعالى‏ ، وكما في قوله تعالى‏ : (ومِمّا رَزَقْناهُمْ يُنفِقونَ)۳ ، فإنّه يندب إلَى الإنفاق بالاستناد إلى‏ أنّه من رزق اللَّه تعالى‏ ، وكما في قوله تعالى‏ : (فلَعَلّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ على‏ آثارِهِمْ إنْ لَمْ يُؤْمِنوا بِهذا الحَديثِ أسَفاً * إنّا جَعَلْنا ما علَى الأرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أيُّهُمْ أحْسَنُ عَمَلاً)۴، نهى‏ رسوله صلى اللَّه عليه وآله عن الحزن والغمّ استناداً إلى‏ أنّ كفرهم ليس غلبة منهم علَى اللَّه سبحانه ، بل ما علَى الأرض من شي‏ء

1.الأعراف : ۲۸ .

2.النور : ۳۳ .

3.البقرة : ۳ .

4.الكهف : ۶ و ۷ .

الصفحه من 42