النفس - الصفحه 34

اُمور مجعولة عليها للابتلاء والامتحان ، إلى‏ غير ذلك .
وهذا المسلك - أعني الطريقة الثانية في إصلاح الأخلاق - طريقة الأنبياء ، ومنه شي‏ء كثير في القرآن ، وفيما ينقل إلينا من الكتب السماويّة .
وهاهنا مسلك ثالث مخصوص بالقرآن الكريم لا يوجد في شي‏ء ممّا نقل إلينا من الكتب السماويّة ، وتعاليم الأنبياء الماضين سلام اللَّه عليهم أجمعين ، ولا في المعارف المأثورة من الحكماء الإلهيّين ، وهو تربية الإنسان وصفاً وعلماً باستعمال علوم ومعارف لا يبقى‏ معها موضوع الرذائل ، وبعبارة اُخرى‏ : إزالة الأوصاف الرذيلة بالرفع لا بالدفع .
وذلك كما أنّ كلّ فعل يراد به غير اللَّه سبحانه فالغاية المطلوبة منه إمّا عزّة في المطلوب يطمع فيها ، أو قوّة يخاف منها ويحذر عنها ، لكنّ اللَّه سبحانه يقول : (انّ العِزَّةَ للَّهِ‏ِ جَميعاً)۱ ، ويقول : (إنّ القُوَّةَ للَّهِ‏ِ جَميعاً)۲ . والتحقّق بهذا العلم الحقّ لا يبقي موضوعاً لرياء ، ولا سمعة ، ولا خوف من غير اللَّه، ولا رجاء لغيره ، ولا ركون إلى‏ غيره ، فهاتان القضيّتان إذا صارتا معلومتين للإنسان تغسلان كلّ ذميمة - وصفاً أو فعلاً - عن الإنسان وتحلّيان نفسه بحلية ما يقابلها من الصفات الكريمة الإلهيّة من التقوى‏ باللَّه ، والتعزّز باللَّه وغيرهما من مناعة وكبرياء واستغناء وهيبة إلهيّة ربّانيّة .
وأيضاً قد تكرّر في كلامه تعالى‏ أنّ المُلك للَّه ، وأنّ له مُلك السماوات والأرض ، وأنّ له ما في السماوات والأرض ، وقد مرّ بيانه مراراً ، وحقيقة هذا الملك - كما هو ظاهر - لا تبقي لشي‏ء من الموجودات استقلالاً دونه ، واستغناءً عنه بوجه من الوجوه ، فلا شي‏ء إلّا وهو سبحانه المالك لذاته ولكلّ ما لذاته، وإيمان الإنسان بهذا الملك وتحقّقه به يوجب سقوط جميع

1.يونس : ۶۵ .

2.البقرة : ۱۶۵ .

الصفحه من 42