الأشياء ذاتاً ووصفاً وفعلاً عنده عن درجة الاستقلال ، فهذا الإنسان لا يمكنه أن يريد غير وجهه تعالى ، ولا أن يخضع لشيء ، أو يخاف أو يرجو شيئاً ، أو يلتذّ أو يبتهج بشيء ، أو يركن إلى شيء ، أو يتوكّل على شيء ، أو يسلّم لشيء ، أو يفوّض إلى شيء ، غير وجهه تعالى . وبالجملة : لا يريد ولا يطلب شيئاً إلّا وجهه الحقّ الباقي بعد فناء كلّ شيء ، ولا يعرض إعراضاً ولا يهرب إلّا عن الباطل الذي هو غيره الذي لا يرى لوجوده وقعاً ولا يعبأ به قبال الحقّ الذي هو وجود باريه جلّ شأنه .
وكذلك قوله تعالى : (اللَّهُ لا إلهَ إلّا هُوَ لَهُ الأسْماءُ الحُسْنى)۱ ، وقوله : (ذلكُمُ اللَّه ربُّكُمْ لا إلهَ إلّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ)۲ ، وقوله : (الّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ)۳، وقوله : (وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلْحَيِّ القَيُّومِ)۴ ، وقوله : (كُلٌّ لَهُ قانِتونَ)۵ ، وقولهُ: (وقَضَى رَبُّكَ ألّا تَعْبُدوا إلّا إيّاهُ)۶ ، وقولهُ : (أوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أ نّهُ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)۷ وقولهُ : (ألا إنّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ)۸ ، وقولهُ : (وأنّ إلى رَبِّكَ المُنْتَهى)۹ .
ومن هذا الباب الآيات التي نحن فيها وهي قوله تعالى : (وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الّذينَ إذا أصابَتْهُم مُصيبَةٌ قالُوا إنّا للَّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعُونَ...)۱۰ إلى آخرها ، فإنّ هذه الآيات وأمثالها مشتملة على معارف خاصّة إلهيّة ذات نتائج خاصّة حقيقيّة لا تشابه تربيتها نوع التربية التي يقصدها حكيم أخلاقيّ في فنّه ، ولا نوع التربية التي سنّها الأنبياء في شرائعهم ؛ فإنّ المسلك الأوّل كما عرفت مبنيّ علَى العقائد العامّة الاجتماعيّة فيالحسن والقبح ، والمسلك الثاني مبنيّ علَى العقائد العامّة الدينيّة في التكاليف العبوديّة ومجازاتها ، وهذا المسلك الثالث مبنيّ