النفس - الصفحه 35

الأشياء ذاتاً ووصفاً وفعلاً عنده عن درجة الاستقلال ، فهذا الإنسان لا يمكنه أن يريد غير وجهه تعالى‏ ، ولا أن يخضع لشي‏ء ، أو يخاف أو يرجو شيئاً ، أو يلتذّ أو يبتهج بشي‏ء ، أو يركن إلى‏ شي‏ء ، أو يتوكّل على‏ شي‏ء ، أو يسلّم لشي‏ء ، أو يفوّض إلى‏ شي‏ء ، غير وجهه تعالى‏ . وبالجملة : لا يريد ولا يطلب شيئاً إلّا وجهه الحقّ الباقي بعد فناء كلّ شي‏ء ، ولا يعرض إعراضاً ولا يهرب إلّا عن الباطل الذي هو غيره الذي لا يرى‏ لوجوده وقعاً ولا يعبأ به قبال الحقّ الذي هو وجود باريه جلّ شأنه .
وكذلك قوله تعالى‏ : (اللَّهُ لا إلهَ إلّا هُوَ لَهُ الأسْماءُ الحُسْنى‏)۱ ، وقوله : (ذلكُمُ اللَّه ربُّكُمْ لا إلهَ إلّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَي‏ءٍ)۲ ، وقوله : (الّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ)۳، وقوله : (وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلْحَيِّ القَيُّومِ)۴ ، وقوله : (كُلٌّ لَهُ قانِتونَ)۵ ، وقولهُ: (وقَضَى‏ رَبُّكَ ألّا تَعْبُدوا إلّا إيّاهُ)۶ ، وقولهُ : (أوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أ نّهُ على‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ)۷ وقولهُ : (ألا إنّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مُحِيطٌ)۸ ، وقولهُ : (وأنّ إلى‏ رَبِّكَ المُنْتَهى‏)۹ .
ومن هذا الباب الآيات التي نحن فيها وهي قوله تعالى‏ : (وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الّذينَ إذا أصابَتْهُم مُصيبَةٌ قالُوا إنّا للَّهِ‏ِ وإنّا إلَيهِ راجِعُونَ...)۱۰ إلى‏ آخرها ، فإنّ هذه الآيات وأمثالها مشتملة على‏ معارف خاصّة إلهيّة ذات نتائج خاصّة حقيقيّة لا تشابه تربيتها نوع التربية التي يقصدها حكيم أخلاقيّ في فنّه ، ولا نوع التربية التي سنّها الأنبياء في شرائعهم ؛ فإنّ المسلك الأوّل كما عرفت مبنيّ علَى العقائد العامّة الاجتماعيّة في‏الحسن والقبح ، والمسلك الثاني مبنيّ علَى العقائد العامّة الدينيّة في التكاليف العبوديّة ومجازاتها ، وهذا المسلك الثالث مبنيّ

1.طه : ۸ .

2.الأنعام : ۱۰۲ .

3.السجدة : ۷ .

4.طه : ۱۱۱ .

5.البقرة : ۱۱۶ .

6.الإسراء : ۲۳ .

7.فصّلت : ۵۳ .

8.فصّلت : ۵۴ .

9.النجم : ۴۲ .

10.البقرة : ۱۵۵ و ۱۵۶ .

الصفحه من 42