النفس - الصفحه 36

علَى التوحيد الخالص الكامل الذي يختصّ به الإسلام على‏ مشرّعه وآله أفضل الصلاة ، هذا .
فإن تعجب فعجبٌ قول بعض المستشرقين من علماء الغرب في تاريخه الذي يبحث فيه عن تمدّن الإسلام، وحاصله : أنّ الذي يجب للباحث أن يعتني به هو البحث عن شؤون المدنيّة التي بسطتها الدعوة الدينيّة الإسلاميّة بين الناس من متّبعيها ، والمزايا والخصائص التي خلّفها وورّثها فيهم من تقدّم الحضارة وتعالي المدنيّة ، وأمّا المعارف الدينيّة التي يشتمل عليها الإسلام فهي موادّ أخلاقيّة يشترك فيها جميع النبوّات ، ويدعو إليها جميع الأنبياء ، هذا .
وأنت بالإحاطة بما قدّمناه من البيان تعرف سقوط نظره وخبط رأيه ؛ فإنّ النتيجة فرع لمقدّمتها ، والآثار الخارجيّة المترتّبة علَى التربية إنّما هي مواليد ونتائج لنوع العلوم والمعارف التي تلقّاها المتعلّم المتربّي ، وليسا سواءً قول يدعو إلى‏ حقّ نازل وكمال متوسّط وقول يدعو إلى‏ محض الحقّ وأقصَى الكمال ، وهذا حال هذا المسلك الثالث ، فأوّل المسالك يدعو إلَى الحقّ الاجتماعيّ ، وثانيها يدعو إلَى الحقّ الواقعيّ والكمال الحقيقيّ الذي فيه سعادة الإنسان في حياته الآخرة ، وثالثها يدعو إلَى الحقّ الذي هو اللَّه ، ويبني تربيته على‏ أنّ اللَّه سبحانه واحدٌ لا شريك له ، وينتج العبوديّة المحضة ، وكم بين المسالك من فرق !
وقد أهدى‏ هذا المسلك إلَى الاجتماع الإنساني جمّاً غفيراً من العباد الصالحين ، والعلماء الربّانيّين ، والأولياء المقرّبين رجالاً ونساءً ، وكفى‏ بذلك شرفاً للدِّين .
على‏ أنّ هذا المسلك ربّما يفترق عن المسلكَين الآخرَين بحسب النتائج ؛ فإنّ بناءه علَى الحبّ العبوديّ ، وإيثار جانب الربّ على‏ جانب العبد ، ومن المعلوم أنّ الحبّ

الصفحه من 42