النفاق - الصفحه 12

المسلمين ، وبنائهم مسجد الضِّرار ، وإشاعتهم حديث الإفك ، وإثارتهم الفتنة في قصّة السِّقاية وقصّة العَقَبة ، إلى‏ غير ذلك ممّا تشير إليه الآيات ؛ حتّى بلغ أمرهم في الإفساد وتقليب الاُمور علَى النبيّ صلى اللَّه عليه وآله إلى‏ حيث هدّدهم اللَّه بمثل قوله : (لَئنْ لَمْ يَنْتَهِ المُنافِقونَ والَّذِينَ في قُلوبِهِمْ مَرَضٌ والمُرْجِفونَ في المَدينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فيها إلّا قَليلاً * مَلْعُونِينَ أيْنَما ثُقِفُوا اُخِذوا وقُتِّلوا تَقْتيلاً)۱ .
وقد استفاضت الأخبار وتكاثرت في أنّ عبد اللَّه بن اُبيّ بن سَلول وأصحابه من المنافقين ، وهم الذين كانوا يقلّبون الاُمور علَى النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ويتربّصون به الدوائر ، وكانوا معروفين عند المؤمنين يقربون من ثلث القوم ، وهم الذين خذلوا المؤمنين يوم اُحد فانمازوا منهم ورجعوا إلَى المدينة قائلين : لو نعلم قتالاً لاتّبعناكم ! وهم عبد اللَّه بن اُبيّ وأصحابه .
ومن هنا ذكر بعضهم أنّ حركة النفاق بدأت بدخول الإسلام المدينة واستمرّت إلى‏ قرب وفاة النبيّ صلى اللَّه عليه وآله .
هذا ما ذكره جمع منهم ، لكنّ التدبّر في حوادث زمن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله والإمعان في الفتن الواقعة بعد الرحلة والاعتناء بطبيعة الاجتماع الفعّالة يقضي عليه بالنظر :
أمّا أوّلاً : فلا دليل مقنعاً على‏ عدم تسرّب النفاق في‏متّبعي النبيّ صلى اللَّه عليه وآله المؤمنين بمكّة قبل الهجرة . وقول القائل : إنّ النبيّ صلى اللَّه عليه وآله والمسلمين بمكّة قبل الهجرة لم يكونوا من القوّة ونفوذ الأمر وسعة الطَّول بحيث يهابهم الناس ويتّقوهم أو يرجوا منهم خيراً حتّى‏ يُظهروا لهم الإيمان ظاهراً ويتقرّبوا منهم بالإسلام ، وهم مضطهَدون مُفتَّنون مَعذَّبون بأيدي صناديد قريش ومشركي مكّة المعادين لهم المعاندين للحقّ ، بخلاف حال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله بالمدينة بعد الهجرة فإنّه صلى اللَّه عليه وآله هاجر إليهاوقد كسب أنصاراً من الأوس والخزرج

1.الأحزاب : ۶۰ و ۶۱ .

الصفحه من 16