الإنفاق - الصفحه 4

كلام في الزكاة وسائر الصَّدقة :

قال العلّامة الطباطبائي : «الأبحاث الاجتماعيّة والاقتصاديّة وسائر الأبحاث المرتبطة بها جعلت اليوم حاجة المجتمع - من حيث إنّه مجتمع - إلى‏ مال يختصّ به ويُصرف لرفع حوائجه العامّة، في صفّ البديهيّات التي لا يشكّ فيها شاكّ ولا يداخلها ريب، فكثير من المسائل الاجتماعيّة والاقتصاديّة - ومنها هذه المسألة - كانت في الأعصار السالفة ممّا يغفل عنها عامّة الناس ولا يشعرون بها إلّا شعوراً فطريّاً إجماليّاً، وهي اليوم من الأبجديّات التي يعرفها العامّة والخاصّة .
غير أنّ الإسلام - بحسب ما بيّن من نفسيّة الاجتماع وهويّته ، وشرّع من الأحكام الماليّة الراجعة إليها ، والأنظمة والقوانين التي رتّبها في أطرافها ومتونها - له اليد العليا في ذلك .
فقد بيّن القرآن الكريم أنّ الاجتماع يصيغ من عناصر الأفراد المجتمعين صيغة جديدة ، فيكوِّن منهم هويّة جديدة حيّة هي المجتمع، وله من الوجود والعمر والحياة والموت والشعور والإرادة والضعف والقوّة والتكليف والإحسان والإساءة والسعادة والشقاوة أمثال أو نظائر ما للإنسان الفرد ، وقد نزلت في بيان ذلك كلّه آيات كثيرة قرآنيّة كرّرنا الإشارة إليها في خلال الأبحاث السابقة .
وقد عزلت الشريعة الإسلاميّة سهماً من منافع الأموال وفوائدها للمجتمع كالصدقة الواجبة التي هي الزكاة وكالخمس من الغنيمة ونحوها ، ولم يأت في ذلك ببدع ؛ فإنّ القوانين والشرائع السابقة عليها كشريعة حمورابي وقوانين الروم القديم يوجد فيها أشياء من ذلك ، بل سائر السنن القوميّة في أيّ عصر وبين أيّة طائفة دارت لا يخلو عن اعتبار جهة ماليّة لمجتمعها ، فالمجتمع كيفما كان يحسّ

الصفحه من 14