الإنفاق - الصفحه 5

بالحاجة الماليّة في سبيل قيامه ورشده .
غير أنّ الشريعة الإسلاميّة تمتاز في ذلك من سائر السنن والشرائع باُمور يجب إمعان النظر فيها للحصول على‏ غرضها الحقيقيّ ونظرها المصيب في تشريعها ، وهي :
أوّلاً : أنّها اقتصرت في وضع هذا النوع من الجهات الماليّة على‏ كينونة الملك وحدوثه موجوداً ولم يتعدّ ذلك . وبعبارة اُخرى‏ : إذا حدثت ماليّة في ظرف من الظروف كغلّة حاصلة عن زراعة أو ربح عائد من تجارة أونحو ذلك بادرت فوضعت سهماً منها ملكاً للمجتمع وبقيّة السهام ملكاً لمن له رأس المال أو العمل مثلاً ، وليس عليه إلّا أن يردّ مال المجتمع وهو السهم إليه .
بل ربّما كان المستفاد من أمثال قوله تعالى‏ : (خَلَقَ لَكُم ما في الأرضِ جَميعاً)۱ وقوله : (ولا تُؤْتوا السُّفَهاءَ أمْوالَكُمُ الّتي جَعَلَ اللَّهُ لَكُم قِياماً)۲، أنّ‏الثروة الحادثة عند حدوثها للمجتمع بأجمعها، ثمّ اختصّ سهم منها للفرد الذي نسمّيه المالك أو العامل ، وبقي سهم - أعني سهم الزكاة أو سهم الخمس - في ملك المجتمع كما كان ، فالمالك الفرد مالك في طول مالك وهو المجتمع ، وقد تقدّم بعض البحث عن ذلك في تفسير الآيتين .
وبالجملة : فالذي وضعته الشريعة من الحقوق الماليّة كالزكاة والخمس مثلاً إنّما وضعته في الثروة الحادثة عند حدوثها ، فشرّكت المجتمع مع الفرد من رأس ، ثمّ الفرد في حرّيّة من ماله المختصّ به يضعه حيث يشاء من أغراضه المشروعة من غير أن يعترضه في ذلك معترض ، إلّا أن يدهم المجتمع من المخاطر العامّة ما يجب معه صرف شي‏ء من رؤوس الأموال في سبيل حفظ حياته ، كعدوّ هاجم يريد أن يُهلك الحرث والنسل ،

1.البقرة : ۲۹ .

2.النساء : ۵ .

الصفحه من 14