الحكم الوارد فيها بالمورد ؛ فإنّ المورد لا يخصِّص ، فإطلاق حكم الآية بالنسبة إلى كلّ ما يسمّى بالنفل في محلّه ، وهي تدلّ على أنّ الأنفال جميعاً للَّه ولرسوله ، لا يشارك اللَّه ورسوله فيها أحد من المؤمنين سواء في ذلك الغنيمة والفيء .
ثمّ الظاهر من قوله تعالى : (قُلِ الأنْفالُ للَّهِِ والرَّسُولِ) وما يعظهم اللَّه به بعد هذه الجملة ويحرّضهم علَى الإيمان - هو أنّ اللَّه سبحانه فصل الخصومة بتشريع ملكها لنفسه ولرسوله ونزعها من أيديهم ، وهو يستدعي أن يكون تخاصمهم من جهة دعوى طائفة منهم أنّ الأنفال لها خاصّة دون غيرها ، أو أنّها تختصّ بشيء منها ، وإنكار الطائفة الاُخرى ذلك ، ففصل اللَّه سبحانه خصومتهم فيها بسلب ملكهم منها وإثبات ملك نفسه ورسوله ، وموعظتهم أن يكفّوا عن المخاصمة والمشاجرة . وأمّا قول من يقول : إنّ الغزاة يملكون ما أخذوه من الغنيمة بالإجماع فأحرى به أن يورد في الفقه دون التفسير .
وبالجملة : فنزاعهم في الأنفال يكشف عن سابق عهد لهم بأنّ الغنيمة لهم أو ما في معناه، غير أنّه كان حكماً مجملاً اختلف فيه المتخاصمان وكلٌيجرّ النار إلى قرصته، والآيات الكريمة تؤيّد ذلك.
توضيحه : أنّ ارتباط الآيات في السورة والتصريح بقصّة وقعة بدر فيهايكشف أنّ السورة بأجمعها نزلت حول وقعة بدر وبُعيدَها ؛ حتّى أنّ ابن عبّاس - على ما نقل عنه - كان يسمّيها سورة بدر . والتي تتعرّض لأمر الغنيمة من آياتها خمس آيات في مواضع ثلاثة من السورة ، هي بحسب ترتيب السورة : قوله تعالى : (يَسْألونَكَ عَنِ الأنْفالِ قُلِ الأنْفالُ للَّهِِ والرَّسُولِ ...) الآية ، وقوله تعالى : (واعْلَمُوا أنَّ ما غَنِمْتُم مِن شَيءٍ فأنّ للَّهِِ خُمُسَهُ ولِلرَّسولِ ولِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابنِ السَّبيلِ إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ باللَّهِ