النیة - الصفحه 5

وكيف كان فالآية الكريمة ترتّب عمل الإنسان على‏ شاكلته بمعنى‏ أنّ العمل يناسبها ويوافقها ، فهي بالنسبة إلَى العمل كالرّوح السارية في البدن الّذي يمثّل بأعضائه وأعماله هيئات الروح المعنويّة . وقد تحقّق بالتجارب والبحث العلميّ أنّ بين المَلَكات والأحوال النفسانيّة وبين الأعمال رابطة خاصّة ، فليس يتساوى‏ عمل الشّجاع الباسل والجبان إذا حضرا موقفاً هائلاً ، ولا عمل الجواد الكريم والبخيل اللئيم في موارد الإنفاق وهكذا ، وأنّ بين الصفات النفسانيّة ونوع تركيب البنية الإنسانيّة رابطة خاصّة ، فمن الأمزجة ما يسرع إليه الغضب وحبّ الانتقام بالطّبع ، ومنها ما تغلي وتفور فيه شهوة الطعام أو النكاح أو غير ذلك بحيث تتوق نفسه بأدنى‏ سبب يدعوه ويحرّكه ، ومنها غير ذلك ، فيختلف انعقاد الملَكات بحسب ما يناسب المورد سرعة وبطءاً .
ومع ذلك كلِّه فليس يخرج دعوة المزاج المناسب لملَكة من الملكات أو عمل من الأعمال من حدّ الاقتضاء إلى‏ حدّ العِلّية التّامّة بحيث يخرج الفعل المخالف لمقتضَى الطبع عن الإمكان إلَى الاستحالة ويبطل الاختيار ، فالفعل باقٍ على‏ اختياريّته وإن كان في بعض الموارد صعباً غاية الصعوبة .
وكلامه سبحانه يؤيّد ما تقدّم على‏ ما يعطيه التدبّر ، فهو سبحانه القائل : (والبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بإذْنِ رَبِّهِ والّذي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلّا نَكِداً)۱، وانضمام الآية إلَى الآيات الدالّة على‏ عموم الدعوة - كقوله : (لِاُنذِرَكُم بهِ ومَنْ بَلَغَ)۲ - يفيد أنّ تأثير البنَى الإنسانيّة في الصّفات والأعمال على‏ نحو الاقتضاء دون العلّية التامّة كما هو ظاهر.
كيف ، وهو تعالى‏ يعدّ الدِّين فطريّاً تهتف به الخلقة الّتي لا تبديل لها ولا

1.الأعراف : ۵۸ .

2.الأنعام : ۱۹ .

الصفحه من 18