النیة - الصفحه 6

تغيير ، قال : (فأقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الّتي فَطَرَ النَّاسَ علَيها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ)1 ، وقال : (ثُمَّ السَّبيلَ يَسَّرَهُ)2 ولا تجامع دعوة الفطرة إلَى الدّين الحقّ والسّنّة المعتدلة دعوة الخلقة إلَى الشّرّ والفساد والانحراف عن الاعتدال بنحو العِلّية التامّة .
وقول القائل : إنّ السعادة والشقاوة ذاتيّتان لا تتخلّفان عن ملزومهما كزوجيّة الأربعة وفرديّة الثّلاثة أو مقضيّتان بقضاء أزليّ لازم ، وأنّ الدّعوة لإتمام الحجّة لا لإمكان التّغيير ورجاء التحوّل من حال إلى‏ حال ، فالأمر مفروغ عنه ، قال تعالى‏ : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ويَحْيى مَن حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ)3 .
مدفوع : بأنّ صحّة إقامة الحجّة بعينها حجّة على‏ عدم كون سعادة السعيد وشقاوة الشقيّ لازمة ضروريّة؛ فإنّ السعادة والشقاوة لو كانتا من لوازم الذوات لم تحتاجا في لحوقهما إلى‏ حجّة ، إذ لا حجّة في الذاتيّات فتلغو الحجّة ، وكذا لو كانتا لازمتَين للذوات بقضاء لازم أزليّ لا لاقتضاء ذاتيّ من الذّوات كانت الحجّة للنّاس علَى اللَّه سبحانه ، فتلغو الحجّة منه تعالى‏ ، فصحّة إقامة الحجّة من قبله سبحانه تكشف عن عدم ضروريّة شي‏ء من السعادة والشقاوة بالنظر إلى‏ ذات الإنسان ، مع قطع النظر عن أعماله الحسنة والسيّئة واعتقاداته الحقّة والباطلة .
على‏ أنّ توسّل الإنسان بالفطرة إلى‏ مقاصد الحياة - بمثل التعليم والتربية والإنذار والتبشير والوعد والوعيد والأمر والنهي وغير ذلك - أوضح دليل على‏ أنّ الإنسان في نفسه على‏ ملتقى‏ خطَّين ومنشعب طريقَين : السعادة والشقاوة ، وفي إمكانه أن يختار أيّاً منهما شاء وأن يسلك أيّاً منهما أراد ، ولكلّ سعي جزاء يناسبه ، قال تعالى‏ : (وأنْ لَيْسَ للإنْسانِ إلّا ما

1.الروم : ۳۰ .

2.عبس : ۲۰ .

3.الأنفال : ۴۲ .

الصفحه من 18