النیة - الصفحه 7

سَعَى‏ * وأنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى‏ * ثُمَّ يُجْزاهُ الجَزاءَ الأوْفى‏)1 .
فهذا نوع من الارتباط مستقرّ بين الأعمال والملَكات وبين الذوات . وهناك نوع آخر من الارتباط مستقرّ بين الأعمال والملكات وبين الأوضاع والأحوال والعوامل الخارجة عن الذات الإنسانيّة المستقرّة في ظرف الحياة وجوّ العيش ، كالآداب والسُّنن والرّسوم والعادات التقليديّة ؛ فإنّها تدعو الإنسان إلى‏ ما يوافقها وتزجره عن مخالفتها ، ولا تلبث دون أن تصوّره صورة جديدة ثانية تنطبق أعماله علَى الأوضاع والأحوال المحيطة به المجتمعة المؤتلفة في ظرف حياته .
وهذه الرابطة على‏ نحو الاقتضاء غالباً ، غير أ نّها ربّما يستقر استقراراً لا مطمع في زوالها من جهة رسوخ الملَكات الرذيلة أو الفاضلة في نفس الإنسان ، وفي كلامه تعالى‏ ما يشير إلى‏ ذلك كقوله : (إنّ الّذِينَ كَفَروا سَواءٌ عَلَيهِمْ أأنْذَرْتَهُم أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤمِنونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلى‏ قُلوبِهِمْ وَعَلى‏ سَمْعِهِم وعَلى‏ أبْصارِهِم غِشاوَةٌ)2 إلى‏ غير ذلك .
ولا يضرّ ذلك صحّة إقامة الحجّة عليهم بالدعوة والإنذار والتبشير ، لأنّ امتناع تأثير الدعوة فيهم مستند إلى‏ سوء اختيارهم ، والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار .
فقد تبيّن بما قدّمناه - على‏ طوله - أنّ للإنسان شاكلة بعد شاكلة ؛ فشاكلة يهيّؤها نوع خلقته وخصوصيّة تركيب بنيته ، وهي شخصيّة خلقيّة متحصّلة من تفاعل جهازاته البدنيّة بعضها مع بعض كالمزاج الّذي هو كيفيّة متوسّطة حاصلة من تفاعل الكيفيّات المتضادّة بعضها في بعض ، وشاكلة اُخرى‏ ثانية وهي شخصيّة خلقيّة متحصّلة من وجوه تأثير العوامل الخارجيّة في النفس الإنسانيّة على‏ ما فيها من الشاكلة الاُولى‏ إن كانت .

1.النجم : ۳۹ - ۴۱ .

2.البقرة : ۶ و ۷ .

الصفحه من 18