الهجرة - الصفحه 5

أنزل اللَّه على‏ نبيّك شيئاً ؟ قال : نعم ، فقرأ عليه سورة مريم ، فلمّا بلغ إلى‏ قوله : (وَهُزِّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلي واشْرَبي وقَرِّي عَيْناً)۱، فلمّا سمع النجاشيّ بهذا بكى‏ بكاءً شديداً ، وقال : هذا واللَّه هو الحقّ . فقال عمرو بن العاص : أيّها الملك ، إنّ هذا مخالفنا فردّه إلينا ، فرفع النجاشيّ يده فضرب بها وجه عمرو ، ثمّ قال : اسكت ، واللَّه يا هذا لئن ذكرته بسوء لأفقدنّك نفسك . فقام عمرو بن العاص من عنده والدّماء تسيل على وجهه وهو يقول : إن كان هذا كما تقول أيّها الملك فإنّا لا نتعرّض له !
وكانت على‏ رأس النجاشيّ وصيفة له تذبّ عنه ، فنظرت الى‏ عمارة بن الوليد وكان فتىً جميلاً فأحبّته ، فلمّا رجع عمرو بن العاص إلى‏ منزله قال لعمارة : لو راسلت جارية الملك ! فراسلها فأجابته ، فقال عمرو : قل لها تبعث إليك من طِيب الملك شيئاً ، فقال لها فبعثت إليه ، فأخذ عمرو من ذلك الطِّيب ، وكان الذي فعل به عمارة في قلبه حين ألقاه في البحر ، فأدخل الطيب علَى النجاشيّ فقال : أيّها الملك ، إنّ حرمة الملك عندنا وطاعته علينا وما يكرمنا إذا دخلنا بلاده ونأمن فيه أن لا نغشّه ولا نريبه ، وإنّ صاحبي هذا الّذي معي قد أرسل إلى‏ حرمتك وخدعها وبعثت إليه من طيبك . ثمّ وضع الطيب بين يديه ، فغضب النجاشيّ وهمّ بقتل عمارة ، ثمّ قال : لا يجوز قتله ؛ فإنّهم دخلوا بلادي فأمان لهم . فدعا النجاشي السحرة ، فقال لهم : اعملوا به شيئاً أشدّ عليه من القتل ، فأخذوه ونفخوا في إحليله الزئبق فصار مع الوحش يغدو ويروح ، وكان لا يأنس بالناس . فبعثت قريش بعد ذلك فكمنوا له في موضع حتّى‏ ورد الماء مع الوحش ، فأخذوه فما زال يضطرب في أيديهم ويصيح حتّى‏ مات .

1.مريم : ۲۵ و ۲۶ .

الصفحه من 18