الهدایة - الصفحه 4

هُديت وسُيّرت بما جُهّزت به من القوى‏ والأعضاء نحو مطلوبها ؛ وهو غاية الوجود الإنسانيّ والكمال الأخير الذي يختصّ به هذا النوع .
ومن هنا يظهر معنى‏ عطف قوله : (هَدى‏) على‏ قوله : (أعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ) ب «ثُمّ» وأنّ المراد التأخّر الرتبيّ ، فإنّ سير الشي‏ء وحركته بعد وجوده رتبة ، وهذا التأخّر في الموجودات الجسمانيّة تدريجيّ زمانيّ بنحو .
وظهر أيضاً أنّ المراد بالهداية الهداية العامّة الشاملة لكلّ شي‏ء دون الهداية الخاصّة بالإنسان ، وذلك بتحليل الهداية الخاصّة وتعميمها بإلقاء الخصوصيّات ؛ فإنّ حقيقة هداية الإنسان بإراءته الطريق الموصل إلَى المطلوب ، والطريق رابطة القاصد بمطلوبه ، فكلّ شي‏ء جهّز بما يربطه بشي‏ء ويحرّكه نحوه فقد هدي إلى‏ ذلك الشي‏ء ، فكلّ شي‏ء مهديّ نحو كماله بما جهّز به من تجهيز ، واللَّه سبحانه هوالهادي .
فنظام الفعل والانفعال في الأشياء - وإن شئت فقل : النظام الجزئيّ الخاصّ بكلّ شي‏ء ، والنظام العامّ الجامع لجميع الأنظمة الجزئيّة من حيث ارتباط أجزائها وانتقال الأشياء من جزء منها إلى‏ جزء - مصداق هدايته تعالى‏ ، وذلك بعناية اُخرى‏ مصداق لتدبيره . ومعلوم أنّ التدبير ينتهي إلَى الخلق بمعنى‏ أنّ الذي ينتهي وينتسب إليه تدبير الأشياء هو الذي أوجد نفس الأشياء فكلّ وجود أو صفة وجود ينتهي إليه ويقوم به .
فقد تبيّن أنّ الكلام - أعني قوله : (الّذِي أعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏) - مشتمل علَى البرهان على‏ كونه تعالى‏ ربّ كلّ شي‏ء لا ربّ غيره ؛ فإنّ خلقه الأشياء وإيجاده لها يستلزم ملكه لوجوداتها - لقيامها به - وملك تدبير أمرها .
وعند هذا يظهر : أنّ الكلام على‏ نظمه الطبيعيّ ، والسياق جارٍ على‏ مقتضَى المقام ؛ فإنّ المقام مقام الدعوة

الصفحه من 14