الإرث - الصفحه 5

أنّ المال - وخاصّة لو كان ممّا لا يد عليه - يحنّ إليه الإنسان ويتوق إليه نفسه لصرفه في حوائجه وحيازته ، وخاصّة فيما لا مانع عنه من دؤوبه الأوّليّة القديمة . والإنسان في ما كوّنه من مجتمعه همجيّاً أو مدنيّاً لايستغني عن اعتبار القرب والولاية (المنتجَين للأقربيّة والأولويّة) بين أفراد المجتمع الاعتبار الذي عليه المدار في تشكّل البيت والبطن والعشيرة والقبيلة ونحو ذلك ، فلا مناص في المجتمع من كون بعض الأفراد أولى‏ ببعض ، كالولد بوالدَيه ، والرَّحم برحمه ، والصديق بصديقه ، والمولى‏ بعبده ، وأحد الزوجَين بالآخر ، والرئيس بمرؤوسه حتَّى القويّ بِالضعيف ، وإن اختلفت المجتمعات في تشخيص ذلك اختلافاً شديداً يكاد لا تناله يد الضبط .
ولازم هذَين الأمرَين كون الإرث دائراً بينهم من أقدم العهود الاجتماعيّة .

2 - تحوّل الإرث تدريجيّاً :

لم تزل هذه السنّة كسائر السُّنن الجارية في المجتمعات الإنسانيّة تتحوّل من حال إلى‏ حال وتلعب به يد التطوّر والتكامل منذ أوّل ظهورها ، غير أنّ الاُمم الهمجيّة لمّا لم تستقرّ على‏ حال منتظم تعسّر الحصول في تواريخهم على‏ تحوّله المنتظم حصولاً يفيد وثوقاً به . والقدر المتيقّن من أمرهم أ نّهم كانوا يحرمون النساء والضعفاء الإرث وإنّما كان يختصّ بالأقوياء، وليس إلّا لأ نّهم كانوا يعاملون مع النساء والضعفاء من العبيد والصغار معاملة الحيوان المسخّر والسلع والأمتعة التي ليس لها إلّا أن ينتفع بها الإنسان ، دون أن تنتفع هي بالإنسان وما في يده ، أو تستفيد من الحقوق الاجتماعيّة التي لا تتجاوز النوع الإنسانيّ .
ومع ذلك كان يختلف مصداق القويّ في هذا الباب برهة بعد برهة ، فتارةً مصداقه رئيس الطائفة أو

الصفحه من 18