تَخُنْ ، وإن كُذِّبتَ فلا تَغضَبْ ، وإن مُدِحتَ فلا تَفرَحْ ، وإن ذُمِمتَ فلا تَجزَعْ ، وفَكِّرْ فيما قيلَ فيكَ ، فإن عَرَفتَ مِن نَفسِكَ ما قيلَ فيكَ فسُقوطُكَ مِن عَينِ اللَّهِ جلَّ وعَزَّ عِندَ غَضَبِكَ مِن الحَقِّ أعظَمُ علَيكَ مُصيبَةً مِمّا خِفتَ مِن سُقوطِكَ مِن أعيُنِ النّاسِ ، وإن كُنتَ على خِلافِ ما قِيلَ فِيكَ فثَوابٌ اكتَسَبتَهُ مِن غَيرِ أنْ يَتعَبَ بَدَنُكَ .
واعلَمْ بأنّكَ لا تَكونُ لَنا وَليّاً حتّى لَوِ اجتَمعَ علَيكَ أهلُ مِصرِكَ وقالوا : إنّكَ رجُلُ سَوءٍ لَم يَحزُنْكَ ذلكَ ، ولو قالوا : إنّكَ رجُلٌ صالِحٌ لَم يَسُرَّكَ ذلكَ ، ولكنِ اعرِضْ نَفسَكَ على كِتابِ اللَّهِ ؛ فإن كُنتَ سالِكاً سَبيلَهُ ، زاهِداً في تَزهيدِهِ ، راغِباً في تَرغيبِهِ ، خائفاً مِن تَخويفِهِ ، فاثبُتْ وأبشِرْ ؛ فإنّهُ لا يَضُرُّكَ ما قِيلَ فِيكَ ، وإن كُنتَ مُبائناً لِلقُرآنِ فماذا الّذي يَغُرُّكَ مِن نَفسِكَ ؟! إنّ المُؤمنَ مَعنِيٌّ بمُجاهَدَةِ نَفسِهِ ليَغلِبَها على هَواها ، فمَرّةً يُقيمُ أوَدَها۱ ويُخالِفُ هَواها في مَحَبَّةِ اللَّهِ ، ومَرّةً تَصرَعُهُ نَفسُهُ فَيَتَّبِعُ هَواها فيَنعَشُهُ اللَّهُ فيَنتَعِشُ۲، ويُقيلُ اللَّهُ عَثرَتَهُ فيَتَذَكَّرُ ، ويَفزَعُ إلَى التَّوبَةِ والمَخافَةِ فيَزدادُ بَصيرَةً ومَعرِفَةً لِما زِيدَ فيهِ مِن الخَوفِ ، وذلكَ بأنّ اللَّهَ يَقولُ : (إنّ الّذِينَ اتَّقَوا إذا مَسَّهُمْ طائفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فإذا هُمْ مُبْصِرونَ) .۳
يا جابِرُ ، استَكثِرْ لنَفسِكَ مِن اللَّهِ قَليلَ الرِّزقِ تَخَلُّصاً إلَى الشُّكرِ ، واستَقلِلْ مِن نَفسِكَ كَثيرَ الطّاعَةِ للَّهِ إزراءً علَى النَّفسِ۴وتَعَرُّضاً للعَفوِ ، وادفَعْ عَن نَفسِكَ حاضِرَ الشَّرِّ بحاضِرِ العِلمِ ، واستَعمِلْ حاضِرَ العِلمِ بخالِصِ العَمَلِ ، وتَحَرَّزْ في خالِصِ العَمَلِ مِن عَظيمِ الغَفلَةِ بِشِدَّةِ التَّيقُّظِ ، واستَجلِبْ شِدَّةِ التَّيقُّظِ بصِدقِ الخَوفِ ، واحذَرْ
1.الأوَد - محرّكة - : العِوَج (النهاية : ۱/۷۹) .
2.نعشه اللَّه : رفعه، أقامه تُنعش الضعيف : تقوّيه وتقيمه (مجمع البحرين : ۳/۱۸۰۲) .
3.الأعراف : ۲۰۰ . والطائف: هو ما كان كالخيال والشيء يُلمّ بك (لسان العرب : ۹/۲۲۵) .
4.أزرى على النفس : عابها وعابتها. ويحتمل أن يكون: إزدراء - من باب الافتعال - اى احتقاراً واستخفافاً . (هامش المصدر) (راجع النهاية : ۲/۳۰۲) .