الوطن - الصفحه 4

وجَدب وخِصب وغيرهما - هما العاملان الأصليّان لانشعاب النوع الإنسانيّ شعوباً وقبائل واختلاف ألسنتهم وألوانهم على‏ ما بيّن في محلّه.
ثمّ صارا عاملَين لحيازة كلّ قوم قطعةً من قطعات الأرض على‏ حسب مساعيهم في الحياة وبأسهم وشدّتهم ، وتخصيصها بأنفسهم وتسميتها وطناً يألفونه ويذبّون عنه بكلّ مساعيهم .
وهذا ، وإن كان أمراً ساقهم إلى‏ ذلك الحوائج الطبيعيّة التي يدفعهم الفطرة إلى‏ رفعها ، غير أنّ فيه خاصّة تنافي ما يستدعيه أصل الفطرة الإنسانيّة من حياة النوع في مجتمع واحد ؛ فإنّ من الضروريّ أنّ الطبيعة تدعو إلى‏ اجتماع القوَى المتشتّتة وتألّفها وتقوّيها بِالتراكم والتوحّد ؛ لتنال ما تطلبه من غايتها الصالحة بوجه أتمّ وأصلح ، وهذا أمر مشهود من حال المادّة الأصليّة حتّى تصير عنصراً ثمّ ... ثمّ نباتاً ثمّ حيواناً ثمّ إنساناً .
والانشعابات بحسب الأوطان تسوق الاُمّة إلى‏ توحّد في مجتمعهم يفصله عن المجتمعات الوطنيّة الاُخرى ، فيصير واحداً منفصل الروح والجسم عن الآحاد الوطنيّة الاُخرى‏ ، فتنعزل الإنسانيّة عن التوحّد والتجمّع وتبتلي من التفرّق والتشتّت بما كانت تفرّ منه ، ويأخذ الواحد الحديث يعامل سائر الآحاد الحديثة (أعني الآحاد الاجتماعيّة) بما يعامل به الإنسان سائر الأشياء الكونيّة من استخدام واستثمار وغير ذلك ، والتجريب الممتدّ بامتداد الأعصار منذ أوّل الدنيا إلى‏ يومنا هذا يشهد بذلك ، وما نقلناه من الآيات في مطاوي الأبحاث السابقة يكفي في استفادة ذلك من القرآن الكريم .
وهذا هو السبب في أن ألغَى الإسلام هذه الانشعابات والتشتّتات والتميّزات ، وبنَى الاجتماع علَى العقيدة دون الجنسيّة والقوميّة والوطن ونحو ذلك ؛ حتّى في مثل الزوجيّة

الصفحه من 8