وإنّا لو تأمّلنا الحياة الاجتماعيّة التي للإنسان وجدنا جميع المزايا التي نستفيد منها وجميع الحقوق الحيويّة الاجتماعيّة التي نطمئنّ إليها مبنيّة على أساس العقد الاجتماعيّ العامّ والعقود والعهود الفرعيّة التي تترتّب عليه ، فلا نملّك من أنفسنا للمجتمعِين شيئاً ولا نملك منهم شيئاً إلّا عن عقد عمليّ وإن لم نأت بقول ؛ فإنّما القول لحاجة البيان ، ولو صحّ للإنسان أن ينقض ما عقده وعهد به اختياراً لتمكّنه منه بقوّة أو سلطة أو بطش أو لعذر يعتذر به كان أوّل ما انتقض بنقضه هو العدل الاجتماعيّ ، وهو الركن الذي يلوذ به ويأوي إليه الإنسان من إسارة الاستخدام والاستثمار .
ولذلك أكّد اللَّه سبحانه في حفظ العهد والوفاء به ، قال تعالى : (وأوْفُوا بِالعَهدِ إنَّ العَهْدَ كانَ مَسْؤولاً)1والآية تشمل العهد الفرديّ الذي يعاهد به الفرد الفرد ، مثل غالب الآيات المادحة للوفاء بِالعهد والذامّة لنقضه ، كما تشمل العهد الاجتماعيّ الدائر بين قوم وقوم واُمّة واُمّة ، بل الوفاء به في نظر الدين أهمّ منه بِالعهد الفرديّ ؛ لأنّ العدل عنده أتمّ والبليّة في نقضه أعمّ .
ولذلك أتَى الكتاب العزيز في أدقّ موارده وأهونها نقضاً بِالمنع عن النقض بأصرح القول وأوضح البيان ، قال تعالى : (بَراءةٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ إلَى الّذِينَ عاهَدتُم مِنَ المُشْرِكينَ * فَسِيحوا فِي الأرضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ واعْلَمُوا أ نَّكُم غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وأنَّ اللَّهَ مُخْزِي الكافِرينَ * وأذانٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ إلَى النّاسِ يَومَ الحَجِّ الأكْبَرِ أنَّ اللَّهَ بَريءٌ مِنَ المُشرِكِينَ ورَسُولُهُ فإنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وإنْ تَوَلَّيْتُمْ فاعْلَمُوا أ نَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وبَشِّرِ الّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أليمٍ * إلّا الّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكينَ ثُمَّ لَم يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً ولَمْ يُظاهِروا علَيْكُمْ أحَداً فأتِمُّوا إلَيْهِم عَهْدَهُم إلى مُدَّتِهِم إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقينَ * فإذا انسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلوا المُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ