الوفاء - الصفحه 4

وإنّا لو تأمّلنا الحياة الاجتماعيّة التي للإنسان وجدنا جميع المزايا التي نستفيد منها وجميع الحقوق الحيويّة الاجتماعيّة التي نطمئنّ إليها مبنيّة على‏ أساس العقد الاجتماعيّ العامّ والعقود والعهود الفرعيّة التي تترتّب عليه ، فلا نملّك من أنفسنا للمجتمعِين شيئاً ولا نملك منهم شيئاً إلّا عن عقد عمليّ وإن لم نأت بقول ؛ فإنّما القول لحاجة البيان ، ولو صحّ للإنسان أن ينقض ما عقده وعهد به اختياراً لتمكّنه منه بقوّة أو سلطة أو بطش أو لعذر يعتذر به كان أوّل ما انتقض بنقضه هو العدل الاجتماعيّ ، وهو الركن الذي يلوذ به ويأوي إليه الإنسان من إسارة الاستخدام والاستثمار .
ولذلك أكّد اللَّه سبحانه في حفظ العهد والوفاء به ، قال تعالى‏ : (وأوْفُوا بِالعَهدِ إنَّ العَهْدَ كانَ مَسْؤولاً)1والآية تشمل العهد الفرديّ الذي يعاهد به الفرد الفرد ، مثل غالب الآيات المادحة للوفاء بِالعهد والذامّة لنقضه ، كما تشمل العهد الاجتماعيّ الدائر بين قوم وقوم واُمّة واُمّة ، بل الوفاء به في نظر الدين أهمّ منه بِالعهد الفرديّ ؛ لأنّ العدل عنده أتمّ والبليّة في نقضه أعمّ .
ولذلك أتَى الكتاب العزيز في أدقّ موارده وأهونها نقضاً بِالمنع عن النقض بأصرح القول وأوضح البيان ، قال تعالى‏ : (بَراءةٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ إلَى الّذِينَ عاهَدتُم مِنَ المُشْرِكينَ * فَسِيحوا فِي الأرضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ واعْلَمُوا أ نَّكُم غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وأنَّ اللَّهَ مُخْزِي الكافِرينَ * وأذانٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ إلَى النّاسِ يَومَ الحَجِّ الأكْبَرِ أنَّ اللَّهَ بَري‏ءٌ مِنَ المُشرِكِينَ ورَسُولُهُ فإنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وإنْ تَوَلَّيْتُمْ فاعْلَمُوا أ نَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وبَشِّرِ الّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أليمٍ * إلّا الّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكينَ ثُمَّ لَم يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً ولَمْ يُظاهِروا علَيْكُمْ أحَداً فأتِمُّوا إلَيْهِم عَهْدَهُم إلى‏ مُدَّتِهِم إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقينَ * فإذا انسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلوا المُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ

1.الإسراء : ۳۴ .

الصفحه من 8