وخُذُوهُمْ واحْصُرُوهُمْ واقْعُدوا لَهُم كُلَّ مَرْصَدٍ) .1 والآيات كما يدلّ سياقها نزلت بعد فتح مكّة وقد أذلّ اللَّه رقاب المشركين وأفنى قوّتهم وأذهب شوكتهم ، وهي تعزم علَى المسلمين أن يطهّروا الأرض التي ملكوها وظهروا عليها من قذارة الشرك ، وتهدر دماء المشركين من دون أيّ قيد وشرط إلّا أن يؤمنوا ، ومع ذلك تستثني قوماً من المشركين بينهم وبين المسلمين عهد عدم التعرّض ، ولا تجيز للمسلمين أن يمسّوهم بسوء حينما استضعفوا واستذلّوا ،فلا مانع من ناحيتهم يمنع ولا دافع يدفع ، كلّ ذلك احتراماً للعهد ومراعاةً لجانب التقوى .
نعم ، على ناقض العهد بعد عقده أن ينقض العهد الذي نقضه ويتلقّى هباءً باطلاً ، اعتداءً عليه بمثل ما اعتدى به ، قال تعالى : (كَيْفَ يَكونُ لِلمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وعِنْدَ رَسُولِهِ إلّا الّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرامِ فَما اسْتَقاموا لَكُمْ فاسْتَقيموا لَهُمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ * - إلى أن قالَ - لا يَرْقُبُونَ في مُؤمِنٍ إلّاً ولا ذِمَّةً واُولئكَ هُمُ المُعْتَدونَ * فإنْ تابُوا وأقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ فإخْوانُكُمْ في الدِّينِ ونُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمونَ * وإنْ نَكَثوا أيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنوا في دِينِكُمْ فقاتِلوا أئمَّةَ الكُفْرِ إنَّهُمْ لا أيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ)2 ، وقال تعالى : (فمَنِ اعْتَدى علَيْكُمْ فاعْتَدوا علَيْهِ بمِثْلِ ما اعْتَدى علَيْكُم واتَّقُوا اللَّهَ)3، وقال تعالى : (ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أنْ صَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ أنْ تَعْتَدوا وتَعاوَنُوا علَى البِرِّ والتَّقْوى ولا تَعاوَنوا علَى الإثْمِ والعُدْوانِ واتَّقُوا اللَّهَ) .4
وجملة الأمر : أنّ الإسلام يرى حرمة العهد ووجوب الوفاء به علَى الإطلاق ، سواء انتفع به العاهد أو تضرّر بعد ما أوثق الميثاق ؛ فإنّ رعاية جانب العدل الاجتماعيّ ألزم وأوجب