الوفاء - الصفحه 6

من رعاية أيّ نفع خاصّ أو شخصيّ ، إلّا أن ينقض أحد المتعاهدَين عهده فللمتعاهد الآخر نقضه بمثل ما نقضه والاعتداء عليه بمثل ما اعتدى‏ عليه ؛ فإنّ في ذلك خروجاً عن رقّيّة الاستخدام والاستعلاء المذمومة التي ما نهض ناهض الدين إلّا لإماطتها.
ولَعَمري إنّ ذلك أحد التعاليم العالية التي أتى‏ بها دين الإسلام لهداية الناس إلى‏ رعاية الفطرة الإنسانيّة في حكمها ، والتحفّظ علَى العدل الاجتماعيّ الذي لا ينتظم سلك الاجتماع الإنسانيّ إلّا على‏ أساسه وإماطة مظلمة الاستخدام والاستثمار ، وقد صرّح به الكتاب العزيز وسار به النبيّ صلى اللَّه عليه وآله في سيرته الشريفة . ولولا أنّ البحث بحث قرآنيّ لذكرنا لك طرفاً من قصصه عليه أفضل الصلاة والسلام في ذلك ، وعليك بِالرجوع إلَى الكتب المؤلّفة في سيرته وتاريخ حياته .
وإذا قايست بين ما جرت عليه سنّة الإسلام من احترام العهد وما جرت عليه سنن الاُمم المتمدّنة وغير المتمدّنة - ولا سيّما ما نسمعه ونشاهده كلّ يوم من معاملة الاُمم القويّة مع الضعيفة في معاهداتهم ومعاقداتهم وحفظها لها ما درّت لهم أو استوجبته مصالح دولتهم ، ونقضها بما يسمّى‏ عذراً - وجدت الفرق بين السُّنّتين في رعاية الحقّ وخدمة الحقيقة .
ومن الحريّ بِالدين ذاك وبسننهم ذلك ؛ فإنّما هناك منطقان : منطق يقول : إنّ الحقّ تجب رعايته كيفما كان وفي رعايته منافع المجتمع ، ومنطق يقول : إنّ منافع الاُمّة تجب رعايتها بأيّ وسيلة اتّفقت وإن دحضت الحقّ . وأوّل المنطقين منطق الدين ، وثانيهما منطق جميع السنن الاجتماعيّة الهمجيّة أو المتمدّنة من السنن الاستبداديّة والديموقراطيّة والشيوعيّة وغيرها .
وقد عرفت مع ذلك أنّ الإسلام في عزيمته في ذلك لا يقتصر علَى العهد

الصفحه من 8