التقوی - الصفحه 24

ووقع الإجرام على‏ جهل منها أو غفلة - وكم له من وجود - فلا مانع يمنع من تحقّقه ، والقوانين لا أيدي لها تبطش بها ، وكذا إذا ضعفت الحكومة بفقد القوَى اللازمة أو مساهلة في السياسة والعمل فظهر عليها المجرم أو كان المجرم أشدّ قوّة ضاعت القوانين وفشت التخلّفات والتعدّيات على‏ حقوق الناس . والإنسان - كما مرّ مراراً في المباحث السابقة من هذا الكتاب - مستخدم بِالطبع يجرّ النفع إلى‏ نفسه ولو أضرّ غيره .
ويشتدّ هذا البلوى‏ إذا تمركزت هذه القوة في القوّة المجرية أو من يتولّى‏ أزمّة جميع الاُمور ، فاستضعف الناس وسلب منهم القدرة على‏ ردّه إلَى العدل وتقويمه بِالحقّ ، فصار ذا قوّة وشوكة لا يقاوم في قوّته ولا يعارض في إرادته .
والتواريخ المحفوظة مملوءة من قصص الجبابرة والطواغيت وتحكّماتهم الجائرة علَى الناس، وهو ذا نصب أعيننا في أكثر أقطار الأرض.
فالقوانين والسنن وإن كانت عادلة في حدود مفاهيمها ، وأحكام الجزاء وإن كانت بِالغة في شدّتها ، لا تجري على‏ رسلها في المجتمع ولا تسدّ باب الخلاف وطريق التخلّف إلّا بأخلاق فاضلة إنسانيّة تقطع دابر الظلم والفساد ، كملكة اتّباع الحقّ واحترام الإنسانيّة والعدالة والكرامة والحياة ونشر الرحمة ونظائرها .
ولا يغرّنّك ما تشاهده من القوّة والشوكة في الاُمم الراقية والانتظام والعدل الظاهر فيما بينهم ولم يوضع قوانينهم على‏ اُسس أخلاقيّة حيث لا ضامن لإجرائها فإنّهم اُمم يفكّرون فكرة اجتماعيّة لا يرى الفرد منهم إلّا نفع الاُمّة وخيرها ولا يدفع إلّا ما يضرّ اُمّته ، ولا همّ لاُمّته إلّا استرقاق سائر الاُمم الضعيفة واستدرارهم ، واستعمار بلادهم ، واستباحة نفوسهم وأعراضهم وأموالهم ، فلم يورثهم هذا التقدّم والرقيّ إلّا نقل ما كان يحمله الجبابرة

الصفحه من 40