التقوی - الصفحه 23

فجعل الإيمان باللَّه كشجرة لها أصل وهو التوحيد لا محالة ، واُكل تؤتيه كلّ حين بإذن ربّها وهو العمل الصالح ، وفرع وهو الخلق الكريم كالتقوى‏ والعفّة والمعرفة والشجاعة والعدالة والرحمة ونظائرها.
وقال تعالى‏ : (إلَيهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ والعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ)۱ ، فجعل سعادة الصعود إلَى اللَّه - وهو القرب منه تعالى‏ - للكلم الطيّب وهو الاعتقاد الحقّ ، وجعل العمل الذي يصلح له ويناسبه هو الذي يرفعه ويمدّه في صعوده .
بيان ذلك : إنّ من المعلوم أن الإنسان لا يتمّ له كماله النوعيّ ولا يسعد في حياته - التي لا بغية له أعظم من إسعادها - إلّا باجتماع من أفراد يتعاونون على‏ أعمال الحياة على‏ ما فيها من الكثرة والتنوّع ، وليس يقوَى الواحد من الإنسان علَى الإتيان بها جميعاً .
وهذا هو الذي أحوج الإنسان الاجتماعيّ الى‏ أن يتسنّن بسنن وقوانين يحفظ بها حقوق الأفراد عن الضيعة والفساد ؛ حتّى‏ يعمل كلّ منهم ما في وسعه العمل به ، ثمّ يبادلوا أعمالهم فينال كلّ من النتائج المعدّة ما يعادل عمله ويقدره وزنه الاجتماعيّ من غير أن يَظلم القويّ المقتدر أو يُظلم الضعيف العاجز .
ومن المسلّم أن هذه السنن والقوانين لا تثبت مؤثّرة إلّا بسنن وقوانين اُخرى‏ جزائيّة تهدّد المتخلّفين عن السنن والقوانين المتعدّين على‏ حقوق ذوي الحقوق ، وتخوّفهم بِالسيّئة قبال السيّئة ، وباُخرى‏ تشوّقهم وترغّبهم في عمل الخيرات ، وتضمن إجراء الجميع القوّة الحاكمة التي تحكم فيهم وتتسيطر عليهم بِالعدل والصدق .
وإنما تتحقّق هذه الاُمنية إذا كانت القوّة المجرية للقوانين عالمة بِالجرم وقويّة علَى المجرم ، وأمّا إذا جهلت

1.فاطر : ۱۰ .

الصفحه من 40