التقوی - الصفحه 27

يجعلها غاية لأعماله في الحياة ، وأن يعلم أنّ له وراءها داراً وهي الدار الآخرة فيها ينال غاية أعماله ، وهي عذاب شديد للسيئات يجب أن يخافه ويخاف اللَّه فيه ، ومغفرة من اللَّه قبال أعماله الصالحة يجب أن يرجوها ويرجو اللَّه فيها ، ورضوان من اللَّه يجب أن يقدّمه لرضى نفسه .
وطباع الناس مختلفة في إيثار هذه الطرق الثلاثة واختيارها ، فبعضهم وهو الغالب يغلب على‏ نفسه الخوف ، وكلّما فكّر فيما أوعد اللَّه الظالمين والذين ارتكبوا المعاصي والذنوب من أنواع العذاب الذي أعدّ لهم زاد في نفسه خوفاً ولفرائصه ارتعاداً ، ويساق بذلك إلى‏ عبادته تعالى‏ خوفاً من عذابه .
وبعضهم يغلب على‏ نفسه الرجاء ، وكلّما فكّر فيما وعده اللَّه الذين آمنوا وعملوا الصالحات من النعمة والكرامة وحسن العاقبة زاد رجاء وبِالغ في التقوى‏ والتزام الأعمال الصالحات طمعاً في المغفرة والجنّة .
وطائفة ثالثة وهم العلماء باللَّه لا يعبدون اللَّه خوفاً من عقابه ولا طمعاً في ثوابه ، وإنّما يعبدونه لأنّه أهل للعبادة ؛ وذلك لأنّهم عرفوه بما يليق به من الأسماء الحسنى‏ والصفات العليا ، فعلموا أنّه ربّهم الذي يملكهم وإرادتهم ورضاهم وكلّ شي‏ء غيرهم ، ويدبّر الأمر وحده ، وليسوا إلّا عباد اللَّه فحسب ، وليس للعبد إلّا أن يعبد ربّه ويقدّم مرضاته وإرادته على‏ مرضاته وإرادته ، فهم يعبدون اللَّه ولا يريدون في شي‏ء من أعمالهم فعلاً أو تركاً إلّا وجهه ، ولا يلتفتون فيها إلى‏ عقاب يخوّفهم ، ولا إلى‏ ثواب يرجّيهم ، وإن خافوا عذابه ورجوا رحمته ، وإلى‏ هذا يشير قوله عليه السلام : «ما عَبَدتُكَ خَوفاً مِن نارِكَ ولا رَغبَةً في جَنَّتِكَ ، بَل وَجَدتُكَ أهلاً للعِبادَةِ فعَبَدتُكَ» .
وهؤلاء لمّا خصّوا رغباتهم المختلفة بابتغاء مرضاة ربّهم ومحضوا أعمالهم في طلب غاية هو ربّهم تظهر

الصفحه من 40