التقوی - الصفحه 30

ويرضَى برضا اللَّه ولرضاه ، ويغضب بغضب اللَّه ولغضبه ، وهو النور الذي يضي‏ء له طريق العمل ، قال تعالى‏ : (أوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فأحْيَيْناهُ وجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشي بهِ في النّاسِ) .۱ والروح الذي يشير إليه بِالخيرات والأعمال الصالحات ، قال تعالى‏: (وأيَّدَهُم بِرُوحٍ مِنْهُ)۲ وهذا هو السرّ في أنّه لايقع منه إلّا الجميل والخير ويتجنّب كلّ مكروه وشرّ .
وأمّا الموجودات الكونيّة والحوادث الواقعة فإنّه لا يقع بصره على‏ شي‏ء منها خطير أو حقير ، كثير أو يسير إلّا أحبّه واستحسنه ؛ لأنّه لا يرى‏ منها إلّا أنّها آيات محضة تجلي له ما وراءها من الجمال المطلق والحسن الذي لا يتناهَى العاري من كلّ شين ومكروه .
ولذلك كان هذا الإنسان محبوراً بنعمة ربّه بسرور لا غمّ معه ، ولذّة وابتهاج لا ألم ولا حزن معه ، وأمن لا خوف معه ، فإنّ هذه العوارض السوء إنّما تطرأ عن إدراك للسوء وترقّب للشرّ والمكروه . ومن كان لايرى‏ إلّا الخير والجميل ولا يجد إلّا ما يجري على‏ وفق إرادته ورضاه، فلا سبيل للغمّ والحزن والخوف وكلّ ما يسوء الإنسان ويؤذيه إليه ، بل ينال من السرور والابتهاج والأمن ما لايقدّره ولايحيط به إلّا اللَّه سبحانه . وهذا أمر ليس في وسع النفوس العاديّة أن تتعقّله وتكتنهه إلّا بنوع من التصوّر الناقص .
وإليه يشير أمثال قوله تعالى‏ : (ألا إنّ أوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ علَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنونَ * الّذِينَ آمَنُوا وكانُوا يَتَّقُونَ)۳ ، وقوله : (الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسوا إيمانَهُم بِظُلْمٍ أُولئكَ لَهُمُ الأمْنُ وهُمْ مُهْتَدونَ) .۴
وهؤلاء هم المقرّبون الفائزون بقربه تعالى‏ ؛ إذ لا يحول بينهم وبين ربّهم شي‏ء ممّا يقع عليه الحسّ أو يتعلّق به الوهم أو تهواه النفس أو يلبسه الشيطان ؛ فإنّ كلّ ما يتراءى‏

1.الأنعام : ۱۲۲ .

2.المجادلة : ۲۲ .

3.يونس : ۶۲ ، ۶۳ .

4.الأنعام : ۸۲ .

الصفحه من 40