التقوی - الصفحه 31

لهم ليس إلّا آية كاشفة عن الحقّ المتعال لا حجاباً ساتراً ، فيفيض عليهم ربّهم علم اليقين ، ويكشف لهم عمّا عنده من الحقائق المستورة عن هذه الأعين المادّيّة العميّة بعد ما يرفع الستر فيما بينه وبينهم ، كما يشير إليه قوله تعالى‏ : (كلّا إنَّ كِتابَ الأبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وما أدْراكَ ما عِلِّيُّونَ * كِتابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ المُقَرَّبُونَ)۱ ، وقوله تعالى‏ : (كَلّا لَو تَعْلَمُون عِلْمَ اليَقينِ * لَتَرَوُنَّ الجَحيمَ) .۲ وقد تقدّم كلام في هذا المعنى‏ في ذيل قوله تعالى‏ : (يا أ يُّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُم أنْفُسَكُم)۳ في الجزء السادس من الكتاب .
وبِالجملة : هؤلاء في الحقيقة هم المتوكّلون علَى اللَّه ، المفوّضون إليه ، الراضون بقضائه ، المسلّمون لأمره ؛ إذ لايرون إلّا خيراً ولا يشاهدون إلّا جميلاً ، فيستقرّ في نفوسهم من الملكات الشريفة والأخلاق الكريمة ما يلائم هذا التوحيد ، فهم مخلصون للَّه في‏أخلاقهم كما كانوا مخلصين له في أعمالهم ، هذا معنى‏ إخلاص العبد دينه للَّه ، قال تعالى‏ : (هُوالحَيُّ لا إلهَ إلّا هُوَ فادْعُوهُ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ) .۴

4 - وأمّا إخلاصه تعالى‏ عبدَه له :

فهو ما يجده العبد في نفسه من الإخلاص له منسوباً إليه تعالى‏ ؛ فإنّ العبد لا يملك من نفسه شيئاً إلّا باللَّه ، واللَّه سبحانه هوالمالك لما ملّكه إ يّاه ، فإخلاصه دينه - وإن شئت فقل : إخلاصه نفسه للَّه - هو إخلاصه تعالى‏ إ يّاه لنفسه .
نعم ههنا شي‏ء وهو أنّ اللَّه سبحانه خلق بعض عباده هؤلاء علَى استقامة الفطرة واعتدال الخلقة ، فنشؤوا من بادئ الأمر بأذهان وقّادة وإدراكات صحيحة ونفوس طاهرة وقلوب سليمة، فنالوا بمجرّد صفاء الفطرة وسلامة النفس من نعمة الإخلاص ما

1.المطفّفين : ۱۸ - ۲۱ .

2.التكاثر : ۵ ، ۶ .

3.المائدة : ۱۰۵ .

4.غافر : ۶۵ .

الصفحه من 40