التقوی - الصفحه 32

ناله غيرهم بالاجتهاد والكسب بل أعلى‏ وأرقى‏ ؛ لطهارة داخلهم من التلوّث بألواث الموانع والمزاحمات . والظاهر أنّ هؤلاء هم المخلَصون - بِالفتح - للَّه في عرف القرآن .
وهؤلاء هم الأنبياء والأئمّة، وقد نصّ القرآن بأنّ اللَّه اجتباهم أي جمعهم لنفسه وأخلصهم لحضرته ، قال تعالى‏ : (واجْتَبَيْناهُمْ‏وهَدَيْناهُمْ‏إلى‏ صِراطٍمُسْتَقيمٍ)۱ ، وقالَ :(هُوَ اجْتَباكُم وماجَعَلَ علَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) .۲
وآتاهم اللَّه سبحانه من العلم ما هو ملكة تعصمهم من اقتراف الذنوب وارتكاب المعاصي ، وتمتنع معه صدور شي‏ء منها عنهم صغيرة أو كبيرة. وبهذا يمتاز العصمة من العدالة ؛ فإنّهما معاً تمنعان من صدور المعصية، لكن العصمة يمتنع معها الصدور بخلاف العدالة .
وقد تقدّم آنفاً أنّ من خاصّة هؤلاء القوم أنّهم يعلمون من ربّهم ما لايعلمه غيرهم ، واللَّه سبحانه يصدّق ذلك بقوله : (سُبْحانَ اللَّهِ عَمّا يَصِفُونَ * إلّا عِبادَ اللَّهِ المُخْلَصينَ)۳ ، وأنّ المحبّة الإلهيّة تبعثهم على‏ أن لا يريدوا إلّا ما يريده اللَّه وينصرفوا عن المعاصي ، واللَّه سبحانه يقرّر ذلك بما حكاه عن إبليس في غير مورد من كلامه كقوله : (قالَ فَبِعزَّتِكَ لاُغْوِيَنَّهُمْ أجْمَعِينَ * إلّا عِبادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ) .۴
ومن الدليل على‏ أنّ العصمة من قبيل العلم قوله تعالى‏ خطاباً لنبيّه صلى اللَّه عليه وآله : (و لَولا فَضْلُ اللَّهِ علَيكَ ورَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائفةٌ مِنهُمْ أنْ يُضِلُّوكَ وما يُضِلُّونَ إلّا أنفُسَهُمْ وما يَضُرُّونَكَ مِن شَي‏ءٍ وأنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الكِتابَ والحِكْمَةَ وعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وكانَ فَضْلُ اللَّهِ علَيْكَ عَظيماً) .۵ وقد فصّلنا الكلام في معنَى الآية في تفسير سورة النساء .

1.الأنعام : ۸۷ .

2.الحجّ : ۷۸ .

3.الصافّات : ۱۵۹ ، ۱۶۰.

4.ص : ۸۲ ، ۸۳ .

5.النساء : ۱۱۳ .

الصفحه من 40