ناله غيرهم بالاجتهاد والكسب بل أعلى وأرقى ؛ لطهارة داخلهم من التلوّث بألواث الموانع والمزاحمات . والظاهر أنّ هؤلاء هم المخلَصون - بِالفتح - للَّه في عرف القرآن .
وهؤلاء هم الأنبياء والأئمّة، وقد نصّ القرآن بأنّ اللَّه اجتباهم أي جمعهم لنفسه وأخلصهم لحضرته ، قال تعالى : (واجْتَبَيْناهُمْوهَدَيْناهُمْإلى صِراطٍمُسْتَقيمٍ)۱ ، وقالَ :(هُوَ اجْتَباكُم وماجَعَلَ علَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) .۲
وآتاهم اللَّه سبحانه من العلم ما هو ملكة تعصمهم من اقتراف الذنوب وارتكاب المعاصي ، وتمتنع معه صدور شيء منها عنهم صغيرة أو كبيرة. وبهذا يمتاز العصمة من العدالة ؛ فإنّهما معاً تمنعان من صدور المعصية، لكن العصمة يمتنع معها الصدور بخلاف العدالة .
وقد تقدّم آنفاً أنّ من خاصّة هؤلاء القوم أنّهم يعلمون من ربّهم ما لايعلمه غيرهم ، واللَّه سبحانه يصدّق ذلك بقوله : (سُبْحانَ اللَّهِ عَمّا يَصِفُونَ * إلّا عِبادَ اللَّهِ المُخْلَصينَ)۳ ، وأنّ المحبّة الإلهيّة تبعثهم على أن لا يريدوا إلّا ما يريده اللَّه وينصرفوا عن المعاصي ، واللَّه سبحانه يقرّر ذلك بما حكاه عن إبليس في غير مورد من كلامه كقوله : (قالَ فَبِعزَّتِكَ لاُغْوِيَنَّهُمْ أجْمَعِينَ * إلّا عِبادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ) .۴
ومن الدليل على أنّ العصمة من قبيل العلم قوله تعالى خطاباً لنبيّه صلى اللَّه عليه وآله : (و لَولا فَضْلُ اللَّهِ علَيكَ ورَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائفةٌ مِنهُمْ أنْ يُضِلُّوكَ وما يُضِلُّونَ إلّا أنفُسَهُمْ وما يَضُرُّونَكَ مِن شَيءٍ وأنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الكِتابَ والحِكْمَةَ وعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وكانَ فَضْلُ اللَّهِ علَيْكَ عَظيماً) .۵ وقد فصّلنا الكلام في معنَى الآية في تفسير سورة النساء .