لَحَبِطَ عَنهُم ما كانُوا يَعمَلونَ) .1 تفيد الآية أ نّهم في إمكانهم أن يشركوا باللَّه وإن كان الاجتباء والهدى الإلهيّ مانعاً من ذلك ، وقوله : (يا أ يُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما اُنزِلَ إلَيكَ مِن رَبِّكَ وإنْ لَمْ تَفْعَلْ فما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ)2 إلى غير ذلك من الآيات .
فالإنسان المعصوم إنّما ينصرف عن المعصية بنفسه وعن اختياره وإرادته ، ونسبة الصرف إلى عصمته تعالى كنسبة انصراف غير المعصوم عن المعصية إلى توفيقه تعالى .
ولا ينافي ذلك أيضاً ما يشير إليه كلامه تعالى ويصرّح به الأخبار أنّ ذلك من الأنبياء والأئمّة بتسديد من روح القدس ؛ فإنّ النسبة إلى روح القدس كنسبة تسديد المؤمن إلى روح الإيمان ، ونسبة الضلال والغواية إلَى الشيطان وتسويله ؛ فإنّ شيئاً من ذلك لا يخرج الفعل عن كونه فعلاً صادراً عن فاعله مستنداً إلَى اختياره وإرادته ، فافهم ذلك .
نعم هناك قوم زعموا أنّ اللَّه سبحانه إنّما يصرف الإنسان عن المعصية لامن طريق اختياره وإرادته ، بل من طريق منازعة الأسباب ومغالبتها بخلق إرادة أو إرسال ملك يقاوم إرادة الإنسان فيمنعها عن التأثير أو يغيّر مجراها ويحرّفها إلى غير ما من طبع الإنسان أن يقصده ، كما يمنع الإنسان القويّ الضعيف عمّا يريده من الفعل بحسب طبعه .
وبعض هؤلاء وإن كانوا من المجبّرة لكنّ الأصل المشترك الذي يبتني عليه نظرهم هذا وأشباهه أنّهم يرون أنّ حاجة الأشياء إلَى البارئ الحقّ سبحانه إنّما هي في حدوثها ، وأمّا في بقائها بعدما وجدت فلا حاجة لها إليه ، فهو سبحانه سبب في عرض الأسباب ، إلّا أ نّه لمّا كان أقدر وأقوى من كلّ شيء كان له أن يتصرّف في الأشياء حال البقاء أيّ تصرّف شاء ، من منع أو إطلاق وإحياء أو إماتة ومعافاة أو تمريض وتوسعة أو تقتير إلى غير ذلك بِالقهر .