التقوی - الصفحه 38

عرفت أنّ هذا هو الإسلام ودين التوحيد .
وأمّا الانحرافات الواقعة في سير الإنسانيّة نحو غايته وفي ارتقائه إلى‏ أوج كماله فإنّما هو من جهة الخطأ في التطبيق لا من جهة بطلان حكم الفطرة . والغاية التي يعقبها الصنع والإيجاد لا بدّ أن تقع يوماً معجّلاً أو على‏ مهل ، قال تعالى‏ : (فأقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الّتي فَطَرَ النّاسَ علَيْها لاتَبْديلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلكَ الدِّينُ القَيِّمُ ولكنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمونَ) يُريدُ أ نّهم لا يعلمون ذلك علماً تفصيليّاً وإن علمَته فطرتهم إجمالاً، «إلى‏ أن قال»: (لِيَكْفُروا بِما آتَيْناهُمْ فتَمَتَّعوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)« إلى‏ أن قال » : (ظَهَرَ الفَسادُ في البَرِّ والبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أيْدِي النّاسِ لِيُذيقَهُمْ بَعْضَ الّذي عَمِلوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعونَ)۱وقال تعالى‏ : (فَسَوْفَ يَأتي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ أذِلَّةٍ علَى المُؤمِنينَ أعِزَّةٍ علَى الكافِرينَ يُجاهِدُونَ في سَبيلِ اللَّهِ ولا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ)۲ ، وقال تعالى‏ : (ولَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أنّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحونَ)۳ ، وقال تعالى‏ : (والعاقِبَةُ لِلتَّقوى‏)۴ ، فهذه وأمثالها آيات تخبرنا أنّ الإسلام سيظهر ظهوره التامّ فيحكم على الدنيا قاطبة .
ولا تُصغ إلى‏ قول من يقول : إنّ الإسلام وإن ظهر ظهوراً ما وكانت أيّامه حلقة من سلسلة التاريخ فأثّرت أثرها العامّ في الحلقات التالية واعتمدت عليها المدنيّة الحاضرة شاعرة بها أو غير شاعرة، لكن ظهوره التامّ أعني حكومة ما في فرضيّة الدين بجميع موادّها وصورها وغاياتها ممّا لايقبله طبع النوع الإنسانيّ ولن يقبله أبداً ، ولم يقع عليه بهذه الصفة تجربة حتّى‏ يوثق بصحّة وقوعه خارجاً وحكومته علَى النوع تامّة .

1.الروم : ۳۰ - ۴۱ .

2.المائدة : ۵۴ .

3.الأنبياء : ۱۰۵ .

4.طه : ۱۳۲ .

الصفحه من 40