الایثار (تفصیلی) - الصفحه 11

والأنانية وعبادة الذات وتصنيمها ، ينظر الإسلام إلى الأنانية والأثَرة بوصفهما الأصل الذي تنشأ منه المفاسد الفردية والاجتماعية ، ومن ثَمّ تراه يسعى من وراء إشاعة ثقافة الإيثار والمؤاساة وتعميمها إلى تجفيف هذا الجذر الخطير ومحاصرة تبعاته المدمّرة .
وعندما نطلّ على المسألة من زاوية نظرة دقيقة تنفذ إلى الأعماق ، سندرك أنّ الإسلام استطاع من خلال هذا المنهج استيعاب الغرور الفطري للإنسان واحتوائه وتوجيهه ، ومن ثَمّ استطاع أن يؤمّن له منافعه الواقعية وما يرنو إليه على المدى البعيد ، فالإنسان الذي يعيش الإيثار ويمارسه إنّما يبني ذاته ويُحسن لنفسه ويُؤمّن مصالحه الحقيقية الدائمة ، وبتعبير القرآن الكريم :
«إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ» . ۱
على عكس ذلك تماما تأتي الحصيلة في مناخات الثقافة المادّية ؛ فالمادّيون والأنانيون المستأثرون يضعون مصيرهم في مهبّ الريح ويعرّضون أنفسهم للضياع ويخسرون منافعهم الحقيقية الدائمة ويبدّدونها ، وبحسب التصوير القرآني النافذ لهذه الحالة ؛ أنّ هؤلاء ينسون أنفسهم ويخسرونها بنسيانهم اللّه :
«نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ» . ۲
على هذا الضوء ، فإنّ اتّساع ثقافة الإيثار واطّرادها داخل المجتمع لا يهدّد المنافع الشخصية للمؤثرين فحسب ، بل يحوّلهم إلى أحبّاء للّه ۳ وللناس ۴ ، ويؤهّلهم إلى نيل أفضل ضروب الحياة وأسماها في عالَم الآخرة ودار الخلود ۵ ؛ فضلاً عن

1.الإسراء : ۷.

2.الحشر : ۱۹.

3.راجع : ص ۱۱۲ ح ۳ و ص ۱۱۳ ح ۴.

4.راجع : ص ۱۲۴ ح ۴۴.

5.راجع : ص ۱۲۶ (الدخول في أعلى مراتب الجنّة).

الصفحه من 62