جهودهما للحؤول دون بروز الاستئثار والفردية والاستبداد بين قادة النظام الإسلامي الجديد ، وبذلا ما بوسعهما لوأد هذه الخصلة الخطيرة المدمّرة ، حتى بلغ من حرص نبيّ اللّه صلى الله عليه و آله على محاصرة هذه الآفة الخطيرة ، أنّه كان يتحرّز عن كلّ ما يمكن أن تفوح منه رائحة هذه الخصلة الذميمة ، حتّى أنّه لم يكن يسمح لأحد أن يقدّمه على نفسه في شيء . 
 من الأمثلة البليغة الدالّة على سعي النبيّ لمكافحة هذه الآفة واجتثاث أدنى ما يمكن أن يمتّ إليها بصلة ، رفض النبيّ صلى الله عليه و آله أن يتناول من رجل شسعا من نعله قدّمه إليه ، بعد أن انقطع شِسْعُهُ صلى الله عليه و آله وهو يطوف بالبيت ، قائلاً في جوابه : 
 هذِهِ أثَرَةٌ ، ولا أقبَلُ أثَرَةً. ۱
 عندما ننتقل إلى حياة أهل بيت رسول اللّه ـ صلوات اللّه عليه وعليهم ـ ، نجدها تتألّق بسيرة لا ترفض الاستئثار والفردية وتصرّ على اجتنابهما فحسب ، بل تسجّل إيثارهم بحقوقهم الخاصّة أيضا . 
 من هنا يبدو أنّ دراسة السيرة العملية لهؤلاء الكرام والتعرّف عليها في مجال مكافحة الاستئثار وإيثار الآخرين مهمّة تربوية عاجلة حافلة بالعظات والعبر خاصّة للقادة والحاكمين . 
 لكن وا أسفاه! فقد تنكّب قادة الاُمّة الإسلامية عن هذا الصراط السويّ ولم يتّبعوا سيرة هؤلاء الكرام ولم يقتفوا منهاجهم ، فكان المآل كما أخبر النبيّ صلى الله عليه و آله وتنبّأ به إذ ابتُلي هؤلاء بالاستئثار ، ونزل بالإسلام والمسلمين ما نزل بهما في وقائع التاريخ الفجيع !