الأجل (تفصیلی) - الصفحه 24

تَرَقُّبِ المَوتِ وتَوَقُّعِهِ لِوَقتٍ قَد عَرَفَهُ ، بَل كانَ يَكونُ بِمَنزِلَةِ مَن قَد فَنى مالُهُ أو قارَبَ الفَناءَ ، فَقَدِ استَشعَرَ الفَقرَ وَالوَجَلَ مِن فَناءِ مالِهِ وخَوفِ الفَقرِ ، عَلى أنَّ الَّذي يَدخُلُ عَلَى الإِنسانِ مِن فَناءِ العُمُرِ أعظَمُ مِمّا يَدخُلُ عَلَيهِ مِن فَناءِ المالِ ؛ لِأَنَّ مَن يَقِلُّ مالُهُ يَأمُلُ أن يُستَخلَفَ مِنهُ فَيَسكُنُ إلى ذلِكَ ، ومَن أيقَنَ بِفَناءِ العُمُرِ استُحِكَمَ عَلَيهِ اليَأسُ . وإن كانَ طَويلَ العُمُرِ ، ثُمَّ عَرَفَ ذلِكَ وَثِقَ بِالبَقاءِ ، وَانهَمَكَ فِي اللَّذّاتِ وَالمَعاصي ، وعَمِلَ عَلى أنَّهُ يَبلُغُ مِن ذلِكَ شَهوَتَهُ ، ثُمَّ يَتوبُ في آخِرِ عُمُرِهِ ... .
فَإِن قُلتَ : وها هُوَ الآنَ قَد سُتِرَ عَنهُ مِقدارُ حَياتِهِ ، وصارَ يَتَرَقَّبُ المَوتَ في كُلِّ ساعَةٍ يُقارِفُ الفَواحِشَ ويَنتَهِكُ المَحارِمَ !
قُلنا : إنَّ وَجهَ التَّدبيرِ في هذَا البابِ هُوَ الَّذي جَرى عَلَيهِ الأَمرُ فيهِ ، فَإِن كانَ الإِنسانُ مَعَ ذلِكَ لا يَرعَوي ۱ ولا يَنصَرِفُ عَنِ المَساوِئ فَإِنَّما ذلِكَ مِن مَرَحِهِ ومِن قَساوَةِ قَلبِهِ ، لا مِن خَطَأٍ فِي التَّدبيرِ . ۲

1.الارعِواء : الندم على الشيء والانصراف عنه والترك له (لسان العرب : ج ۱۴ ص ۳۲۸ «رعي»).

2.بحار الأنوار : ج ۳ ص ۸۳ نقلاً عن توحيد المفضّل .

الصفحه من 24