من ذاته لا يمكنه حبّ الآخر حقيقة ، من هنا جاء في الحديث القدسي :
يابنَ آدَمَ ، كُلٌّ يُريدُكَ لِأَجلِهِ ، وأَنَا اُريدُكَ لِأَجلِكَ. ۱
أجل ، إنّ كلّ من يخاطبك بقوله : أنا اُحبّك ، فإنّما يريدك لتأمين حاجته وتحقيق منفعته ، ويبقى وحده سبحانه الغنيّ الذي يريد الإنسان للإنسان لا لنفسه .
كلّما اقترب الإنسان من الغنيّ المطلق تضاءلت احتياجاته وصار وجوداً ربّانياً ، ومن ثَمّ لم يعد يتحرّك في حبّه وبغضه بدافع توفير احتياجاته ، إنّما يفعل ذلك طاعةً لأمر اللّه ومن أجل التقرّب إليه أكثر . على هذا الأساس كلّما ابتعد الإنسان عن محور الذات وصار قريباً إلى اللّه ، استطاع أن يحبّ الآخرين حبّاً حقيقيّاً بالقدر ذاته .
عند هذه النقطة ينكشف سرّ تركيز الإسلام على الاُخوّة في اللّه والحبّ في اللّه ؛ هذا السرّ الذي يفصح عن نفسه في الحقيقة التي تفيد أنّ مَن حبّه للّه هو وحده الذي بمقدوره أن يُكِنّ الحبّ للإنسان ، وأن يكون مدافعاً حقيقياً عن الناس .
ففلسفة فشل الماركسية وهزيمتها في شعار الدفاع عن الجماهير ، إنّما تكمن في الحقيقة التي تفيد بأنّ الدفاع الحقيقيّ عن الجماهير أمر متعذّر من دون التوجّه إلى الخالق ، فمن لم يكن باعثه إلى الحبّ إلهيّاً لا يستطيع أن يهمل منافعه الذّاتية ويسقطها من الحساب ، والحبّ الذي يُبتَنى على أساس الأنانية والمصالح الذّاتية ، في الحقيقة ليس حبّاً للآخر ، بل إنّه ضرب من الأنانية بلباس الدفاع عن الجماهير ، وهذا الضرب من الحبّ يدور مدار دوام الانتفاع بالمحبوب ويزول بزواله ، فما إن يعجز المعشوق عن تأمين حاجات العاشق وإشباعها حتّى تنقطع المحبّة ، وربّما تبدّلت إلى العداء ، من هذا المنطلق جاء تركيز النصوص الإسلامية ، من أنّ الحبّ الذي يدوم هو الحبّ الذي يقوم على أساس الدين ويكون للّه وفي اللّه فقط ، أمّا
1.المواعظ العددية : ص ۴۲۰ عن الإمام عليّ عليه السلام نقلاً عن التوراة .