الأرض (تفصیلی) - الصفحه 40

الحاجَةِ إلَيها؟
ثُمَّ قَصُرَت حيلَةُ النّاسِ عَمّا حاوَلوا مِن صَنعَتِها عَلى حِرصِهِم وَاجتِهادِهِم في ذلِكَ ، فَإِنَّهُم لَو ظَفِروا بِما حاوَلوا مِن هذَا العِلمِ كانَ لا مَحالَةَ سَيَظهَرُ ويَستَفيضُ فِي العالَم حَتّى تَكثُرَ الفِضَّةُ وَالذَّهَبُ ويَسقُطا عِندَ النّاسِ ، فَلا يَكونُ لَهُما قيمَةٌ ويَبطُلَ الانتِفاعُ بِهِما فِي الشِّرى ۱ وَالبَيعِ وَالمُعامَلاتِ ، ولا كانَ يَجبِي السُّلطانُ الأَموالَ ، ولا يَدَّخِرُهُما أحَدٌ لِلأَعقابِ ، وقَد اُعطِيَ النّاسُ مَعَ هذا صَنعَةَ الشَّبَهِ مِنَ النُّحاسِ وَالزُّجاجِ مِنَ الرَّملِ ، وَالفِضَّةِ مِنَ الرَّصاصِ ، وَالذَّهَبِ مِنَ الفِضَّةِ ، وأشباهِ ذلِكَ مِمّا لا مَضَرَّةَ فيهِ . فَانظُر كَيفَ اُعطوا إرادَتَهُم فيما لا ضَرَرَ فيهِ ، ومُنِعوا ذلِكَ فيما كانَ ضارّاً لَهُم لَو ناوَلوهُ .
ومَن أوغَلَ فِي المَعادِنِ انتَهى إلى وادٍ عَظيمٍ يَجري مُنصَلِتاً ۲ بِماءٍ غَزيرٍ ، لا يُدرَكُ غَورُهُ ولا حيلَةَ في عُبورِهِ ، ومِن وَرائِهِ أمثالُ الجِبالِ مِنَ الفِضَّةِ .
تَفَكَّرِ الآنَ في هذا مِن تَدبيرِ الخالِقِ الحَكيمِ ، فَإِنَّهُ أرادَ ـ جَلَّ ثَناؤُهُ ـ أن يُرِيَ العِبادَ مَقدِرَتَهُ وسَعَةَ خَزائِنِهِ ، لِيَعلَموا أنَّهُ لَو شاءَ أن يَمنَحَهُم كَالجِبالِ مِن الفِضَّةِ لَفَعَلَ ، لكِن لا صَلاحَ لَهُم في ذلِكَ ، لِأَنَّهُ لَو كانَ فَيَكونُ فيها ـ كَما ذَكَرنا ـ سُقوطُ هذَا الجَوهَرِ عِندَ النّاسِ وقِلَّةُ انتِفاعِهِم بِهِ ، وَاعتَبِر ذلِكَ بِأَنَّهُ قَد يَظهَرُ الشَّيءُ الطَّريفُ مِمّا يُحدِثُهُ النّاسُ مِنَ الأَواني وَالأَمتِعَةِ ، فَما دامَ عَزيزاً قَليلاً فَهُوَ نَفيسٌ جَليلٌ آخِذُ الثَّمَنِ ، فَإِذا فَشا وكَثُرَ في أيدِي النّاسِ سَقَطَ عِندَهُم وخَسَّت قيمَتُهُ ، ونَفاسَةُ الأَشياءِ مِن عِزَّتِها . ۳

۱۵۶۷.الكافي عن الثُّماليّ:مَرَرتُ مَعَ أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام في سوقِ النُّحاسِ ، فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ، هذَا النُّحاسُ أيُّ شَيءٍ أصلُهُ؟

1.الشِّراءُ يُمَدّ ويقصر ، ويُجمَع الشِّرا على أشرِيَة (الصحاح : ج ۶ ص ۲۳۹۱ «شرى») .

2.المُنصَلِت: المُسرع من كلّ شيء. ونهرٌ مُنصلِت: شديد الجِرية (لسان العرب: ج ۲ ص ۵۴ «صلت»).

3.بحار الأنوار: ج ۶۰ ص ۱۸۶ ح ۱۸ نقلاً عن توحيد المفضّل .

الصفحه من 66