الاُلفة (تفصیلی) - الصفحه 12

وَاجتَنِبوا كُلَّ أمرٍ كَسَرَ فِقرَتَهُم ۱ ، وأوهَنَ مُنَّتَهُم ۲ ؛ مِن تَضاغُنِ القُلوبِ ، وتَشاحُنِ الصُّدورِ ، وتَدابُرِ النُّفوسِ ، وتَخاذُلِ الأَيدي .
وتَدَبَّروا أحوالَ الماضينَ مِنَ المُؤمِنينَ قَبلَكُم ، كَيفَ كانوا في حالِ التَّمحيصِ وَالبَلاءِ ، أ لَم يَكونوا أثقَلَ الخَلائِقِ أعباءً؟ وأجهَدَ العِبادِ بَلاءً؟ وأضيَقَ أهلِ الدُّنيا حالاً؟ اِتَّخَذَتهُمُ الفَراعِنَةُ عَبيدا ، فَساموهُم سوءَ العَذابِ ، وجَرَّعوهُمُ المُرارَ ، فَلَم تَبرَحِ الحالُ بِهِم في ذُلِّ الهَلَكَةِ ، وقَهرِ الغَلَبَةِ ، لا يَجِدونَ حيلَةً في امتِناعٍ ، ولا سَبيلاً إلى دِفاعٍ ، حَتّى إذا رَأَى اللّهُ سُبحانَهُ جِدَّ الصَّبرِ مِنهُم عَلَى الأَذى في مَحَبَّتِهِ ، وَالِاحتِمالَ لِلمَكروهِ مِن خَوفِهِ ، جَعَلَ لَهُم مِن مَضايِقِ البَلاءِ فَرَجا ، فَأَبدَلَهُمُ العِزَّ مَكانَ الذُّلِّ ، وَالأَمنَ مَكانَ الخَوفِ ، فَصاروا مُلوكا حُكّاما ، وأئِمَّةً أعلاما ، وقَد بَلَغَتِ الكَرامَةُ مِنَ اللّهِ لَهُم ما لَم تَذهَبِ الآمالُ إلَيهِ بِهِم .
فَانظُروا كَيفَ كانوا حَيثُ كانَتِ الأَملاءُ ۳ مُجتَمِعَةً ، وَالأَهواءُ مُؤتَلِفَةً ، وَالقُلوبُ مُعتَدِلَةً ، وَالأَيدي مُتَرادِفَةً ، وَالسُّيوفُ مُتَناصِرَةً ، وَالبَصائِرُ نافِذَةً ، وَالعَزائِمُ واحِدَةً . أ لَم يَكونوا أربابا في أقطارِ الأَرَضينَ ، ومُلوكا عَلى رِقابِ العالَمينَ؟ فَانظُروا إلى ما صاروا إلَيهِ في آخِرِ اُمورِهِم ، حينَ وَقَعَتِ الفُرقَةُ ، وتَشَتَّتَتِ الاُلفَةُ ، وَاختَلَفَتِ الكَلِمَةُ وَالأَفئِدَةُ ، وتَشَعَّبوا مُختَلِفينَ ، وتَفَرَّقوا مُتَحارِبينَ ، قَد خَلَعَ اللّهُ عَنهُم لِباسَ كَرامَتِهِ ، وسَلَبَهُم غَضَارَةَ ۴ نِعمَتِهِ ، وبَقِيَ قَصَصُ أخبارِهِم فيكُم عِبَرا لِلمُعتَبِرينَ .

1.الفِقْرة : واحدة فِقَر الظهر ، ويقال لمن قد أصابته مصيبة شديدة : قد كُسرت فِقَرته (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ۱۳ ص ۱۶۸) .

2.المُنَّة : القوّة (الصحاح : ج ۶ ص ۲۲۰۷ «منن») .

3.الأملاء : جمع مَلَأ ؛ وهي الجماعة (انظر : لسان العرب : ج ۱ ص ۱۵۹ «ملأ») .

4.الغَضارة : طِيب العَيش . تقول : إنّهم لَفي غضارةٍ من العيش ؛ أي في خِصْبٍ وخير (الصحاح : ج ۲ ص ۷۷۰ «غضر»).

الصفحه من 36