اللّه عز و جل (تفصیلی) - الصفحه 173

سبحانه ، فلا يشاؤون إِلّا أَن يشاء اللّه ، ولا يريدون سوى ما أَراد اللّه ، ويتصرّفون في الأَشياء بقدرة اللّه ، فيحيون الموتى ، ويردّون الشَّمس ، ويشقّون القمر ، كما قال أَمير المؤمنين عليه السلام : «ما قَلَعتُ بابَ خَيبرَ بِقُوَّةٍ جِسمانِيَّةٍ ، بَل بِقُوَّةٍ رَبّانِيَّةٍ» ۱ .
والمعنى الّذي يمكن فهمه ولا ينافي أُصول الدِّين من الفناء في اللّه والبقاء باللّه هو هذا المعنى ، ۲ وبعبارة اُخرى : الحجب النورانية الموانع الّتي للعبد عن الوصول

1.راجع : الأمالي للصدوق : ص ۶۰۴ ح ۸۴۰ ، روضة الواعظين : ص ۱۴۲ .

2.الطريق الّذي سلكه العلّامة المؤلّف ـ رضوان اللّه عليه ـ في كلامه هذا أشبه بطرق أهل الذوق وبياناتهم ، فلا بأس بالإشارة إلى طريق أهل البحث والنظر ليكون النفع أعمّ والفائدة أتمّ ، واللّه المستعان : العالم المادّي عالم الحركة والتكامل ، والنفس أيضاً ؛ لتعلّقها بالبدن المادّي ، بل اتّحادها به محكومة بهذا الحكم ، فهي لا تزال تسير في منازل السير ، وتعرج على مدارج الكمال ، وتقترب إلى الحقّ المتعال ، حتّى تصل إلى ثغور الإمكان والوجوب ، فعندئذٍ ينتهي السير وتقف الحركة «وَ أَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى» . ومنازل السير هي المراتب المتوسّطة بين المادّة وبين أشرف مراتب الوجود ، وهي بوجه تنقسم إلى مادّية وغير مادّية . والأُولى : هي المراحل الّتي تقطعها حتّى تصل إلى حدّ التجرّد. والثانية : هي المراتب الكمالية العالية الّتي فوق ذلك ، وحيث إنّ نسبة كلّ مرتبة عالية بالنسبة إلى ما تحته نسبة العلّة إلى المعلول ، والمعنى الاسمي إلى الحرفي ، والمستقلّ إلى غير المستقلّ ، كانت المرتبة العالية مشتملة على كمالات المرتبة الدانية من غير عكس ، فكلّما أخذ قوس الوجود في النزول ضعفت المراتب وكثرت الحدود العدمية ، وكلّما أخذ في الصعود اشتدّت المراتب وقلّت الحدود ، إلى أن تصل إلى وجود لا حدَّ له أصلاً . ووصول النفس إلى كلّ مرتبة عبارة عن تعلّقها بتلك المرتبة . وبعبارة اُخرى : بمشاهدة ارتباطها بها بحيث لا ترى لنفسها استقلالاً بالنسبة إليها ، وإن شئت قلت : بفنائها عن ذاتها وخروجها عمّا له من الحدود بالنسبة إليها . وبعد هذه المقدّمة نقول : الحدود اللازمة لكلّ مرتبة ـ العارضة لحقيقة وجود الشيء الّذي في تلك المرتبة ـ هي الّتي تحجب ذلك الشيء من الوصول إلى المرتبة العالية وإدراك مالها من الكمال والعظمة ، فإذا خرج الشيء عن هذه الحدود وخلع تلك القيود أمكنه الترقّي إلى درجة ما فوقه فيرى عندئذٍ ذاته متعلّقة به غير مستقلّة عنه ويعرف ماله من البهاء والشرف والكمال والعظمة ، فتلك الحدود هي الحاجبة عن حقيقة الوجود المطلقة عن كلّ قيد ، فالنفس الوالهة إلى اللذائذ المادّية هي المتوغّلة في ظلمات الحدود وغواشي القيود ، وهي أبعد النفوس عن الحقّ تعالى ، فكلّما انخلعت من القيود الماديّة وقطعت تعلّقها عن زخارف هذه الدنيا الدنيةّ ، اقتربت من عالم النور والسرور والبهاء والحبور ، حتّى تتجرّد تجرّدا ساميا فتشاهد نفسها جوهرا مجرّدا عن المادّة والصورة ، وعند ذلك خرجت عن الحجب الظلمانية ، وهي حقيقة الذنوب والمعاصي والأخلاق الذميمة ، ورأسها حبّ الدنيا والإخلاد إلى أرض الطبيعة ، وقد روى الفريقان عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة» لكنّها بعد محتجبة بالحجب النورانية وهي ألطف وأرقّ ، ولذا كان تشخيصها أصعب ، ومعرفتها إلى الدقّة والحذاقة أحوج ، فربّ سالك في هذه المسالك لما شاهد بعض المراتب الدانية زعم أنّه وصل إلى أقصى الكمالات وأرفع الدرجات ، وصار ذلك سببا لتوقّفه في تلك المرتبة واحتجابه بها ، ونِعم ما قيل : رقّ الزجاج ورقّت الخمرفتشابها وتشابه الأمر فكأنّها خمر ولا قدحوكأنّها قدح ولا خمر فمن شمله عناية الحقّ وساعده التوفيق فخصّه اللّه بعبادته ، وهيم قلبه لإرادته ، وفرغ فؤاده لمحبّته ، وأزال محبّة الأغيار عن قلبه ، وأشرق له نوره ، وكشف له سُبحات وجهه ، ورفع عنه حُجب كبريائه وسرادقات عزّه وجلاله ، وتجلّى له في سرّه ، ثمّ وفّقه للاستقامة في أمره والتمكّن في مقامه فارتفع عنه كلّ حجاب ، وتعلّق بعزّ قدس ربّ الأرباب ، فقد هنأ عيشه وطاب حياته ، فطوبى له ثُمّ طوبى له . وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ معنى ارتفاع الحجاب مشاهدة عدم استقلال النفس فلا يوجب ارتفاع الحجب كانعدام العالم رأسا ، بل إنّما يوجب معاينة ما سوى اللّه تعالى متعلّقاً به غير مستقلّ بنفسه فلا يلزم منه محال ولا ينافي شيئا من اُصول الدين واللّه الهادي والمعين» (هامش المصدر).

الصفحه من 247