اللّه عز و جل (تفصیلی) - الصفحه 232

بل وجده وهو يصاحب الإنسانيّة إِلى أَقدم العهود الّتي مرّت على هذا النوع حتّى أَنّ الأَقوام الوحشيّة الّتي تحاكي الإنسان الأَوّلي في البساطة لمّا اكتشفوهم في أَطراف المعمورة كقطّان أَميركا وأُستراليا وجدوا عندهم القول بقوى عالية هي وراء مستوى الطبيعة ينتحلون بها ، وهو قول بالربوبيّة وإِن اشتبه عليهم المصداق ، فالإذعان بذات ينتهي إِليها أَمر كلّ شيء من لوازم الفطرة الإنسانيّة، لايحيد عنه إِلّا من انحرف عن إِلهام فطرته لشبهة عرضت له؛ كمن يضطرّ نفسه على الاعتياد بالسمّ وطبيعته تحذّره بإلهامها ، وهو يستحسن ما ابتلي به .
ثمّ إِنّ أَقدم ما نواجهه في البحث عن المعارف الإلهيّة أَنّا نذعن بانتهاء كلّ شيء إِليه ، وكينونته ووجوده منه ، فهو يملك كلّ شيء؛ لعلمنا أَنّه لو لم يملكها لم يمكن أَن يفيضها ويفيدها لغيره ، على أَنّ بعض هذه الأَشياء ممّا ليست حقيقته إِلّا مبنيّة على الحاجة ، منبئة عن النقيصة ، وهو تعالى منزّه عن كلّ حاجة ونقيصة ؛ لأَنّه الذي إليه يرجع كلّ شيء في رفع حاجته ونقيصته .
فله الملك ـ بكسر الميم وبضمّها ـ على الإطلاق ، فهو سبحانه يملك ما وجدناه في الوجود من صفة كمال ؛ كالحياة والقدرة والعلم والسمع والبصر والرزق والرحمة والعزّة وغير ذلك .
فهو سبحانه حيّ ، قادر ، عليم ، سميع ، بصير ؛ لأَنّ في نفيها إِثبات النقص ، ولا سبيل للنقص إِليه . ورازق ، ورحيم ، وعزيز ، ومحيي ، ومميت ، ومبدئ ، ومعيد ، وباعث ، إِلى غير ذلك ؛ لأَنّ الرزق والرحمة والعزّة والإحياء والإماتة والإبداء والإعادة والبعث له ، وهو السبّوح القدّوس العليّ الكبير المتعال ، إِلى غير ذلك ، نعني بها نفي كلّ نعت عدميّ ، وكلّ صفة نقص عنه .
فهذا طريقنا إِلى إِثبات الأَسماء والصفات له تعالى على بساطته ، وقد صدّقنا كتاب اللّه في ذلك حيث أَثبت الملك ـ بكسر الميم ـ والملك ـ بضمّ الميم ـ له على الإطلاق في آيات كثيرة لا حاجة إِلى إِيرادها . ۱

1.الميزان في تفسير القرآن : ج ۸ ص ۳۴۹ ـ ۳۵۰ ، راجع : تمام كلامه .

الصفحه من 247