اللّه عز و جل (تفصیلی) - الصفحه 85

الصنيعة أوّلاً والصانع ثانيا ، ومنهم : من يراهما معا ، ومنهم : من يرى الصانع أوّلاً ، ومنهم : من لا يرى مع الصّانع غيره . ۱
ولأَجل توضيح هذا التقسيم فإنّنا نذكر مثالاً يوضّح إِلى حدّ ما هذا المطلب : لو كانت لديك مرآة وتريد أن تنظر إلى صورة شيء معيّن فيها ، فإنّك تارةً ترى المرآة أوّلاً ثمّ ترى الصورة ، وتارةً ترى المرآة والصورة معا ، أي عند رؤية الصورة تنتبه إلى المرآة أيضا ، وتارة ترى الصورة أوّلاً ثُمّ تنتبه إلى المرآة ، وتارةً تُمعِن النّظر في الصورة إلى الحدّ الّذي لا تنتبه إلّا إلى الصورة الّتي في المرآة ، فلا ترى شيئا آخر غيرها .
ومع الاعتناء بهذا المثال فإنّه يمكن تقسيم الناس الذين يتمتّعون بالبصيرة العقلية من حيث إدراك تجلّي الخالق في مرآة الخلق إلى أربعة أقسام :
القسم الأوّل : اُولئك الذين يراجعون مرآة الخلق ، فيشاهدون تلك المرآة أوّلاً ، ثُمّ يتجلّى الخالق ثانيا لعقولهم من خلال مطالعة مرآة الخلق وملاحظتها .
القسم الثاني : اُولئك الذين يتمتعون بدقّة الرؤية ، فيعرفون الخالق قبل معرفة القسم الأوّل ، حيث يرون مرآة الخلق والخالق في آنٍ واحد ، وبعبارة اُخرى : إنّهم يرون الخالق في هذه المرآة وبواسطتها ، أي في الوقت الّذي ترى عيونهم الجبل والبحر والشجر وغيرها من الموجودات ، فإنّهم يرون الخالق ـ جلّ وعلا ـ بالبصيرة العقلية .
القسم الثالث : اُولئك الّذين عشقوا الخالق وتولّهوا به إلى درجة أنّهم حينما ينظرون إلى مرآة الخلق يرون الخالق أوّلاً ، ثُمّ ينتبهون إلى الخلق ، فهم يتوصّلون إلى الخلق عن طريق الخالق ، ولا يتوصّلون إلى الخالق عن طريق الخلق .

1.شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني : ج ۳ ص ۳۸ .

الصفحه من 247