الأمة (تفصیلی) - الصفحه 22

وغايَةً لِمَلقى رِحالِهِم ، تَهوي إلَيهِ ثِمارُ الأَفئِدَةِ مِن مَفاوِزِ قِفارٍ مُتَّصِلَةٍ ، وجَزائِرِ بِحارٍ مُنقَطِعَةٍ ، ومَهاوي فِجاجٍ عَميقَةٍ ، حَتّى يَهُزّوا مَناكِبَهُم ذُلُلاً ، يُهَلِّلونَ للّهِِ حَولَهُ ، ويَرمُلونَ ۱
عَلى أقدامِهِم شُعثاً غُبراً لَهُ ، قَد نَبَذُوا القُنُعَ وَالسَّرابيلَ وَراءَ ظُهورِهِم ، وحَسَروا بِالشُّعورِ حَلقاً عَن رُؤوسِهِمُ ، ابتِلاءً عَظيماً ، وَاختِباراً كَبيراً ، وَامتِحاناً شَديداً ، وتَمحيصاً بَليغاً ، وقُنوتاً مُبيناً ، جَعَلَهُ اللّهُ سَبَباً لِرَحمَتِهِ ، و وُصلَةً ووَسيلَةً إلى جَنَّتِهِ ، وعِلَّةً لِمَغفِرَتِهِ ، وَابتِلاءً لِلخَلقِ بِرَحمَتِهِ .
ولَو كانَ اللّهُ تَبارَكَ و تَعالى وَضَعَ بَيتَهُ الحَرامَ ومَشاعِرَهُ العِظامَ بَينَ جَنّاتٍ وأنهارٍ ، وسَهلٍ وقَرارٍ ، جَمَّ الأَشجارِ ، دانِيَ الثِّمارِ ، مُلتَفَّ النَّباتِ ، مُتَّصِلَ القُرى ، مِن بُرَّةٍ ۲ سَمراءَ ، ورَوضَةٍ خَضراءَ ، وأريافٍ مُحدِقَةٍ ، وعِراصٍ ۳ مُغدِقَةٍ ، وزُروعٍ ناضِرَةٍ ، وطُرُقٍ عامِرَةٍ ، وحَدائِقَ كَثيرَةٍ ، لَكانَ قَد صَغُرَ الجَزاءُ عَلى حَسَبِ ضَعفِ البَلاءِ ، ثُمَّ لَو كانَتِ الأَساسُ المَحمولُ عَليها وَالأَحجارُ المَرفوعُ بِها ، بَينَ زُمُرُّدَةٍ خَضراءَ وياقوتَةٍ حَمراءَ ونورٍ وضِياءٍ ، لَخَفَّفَ ذلِكَ مُصارَعَةَ الشَّكِّ فِي الصُّدورِ ، ولَوَضَعَ مُجاهَدَةَ إبليسَ عَنِ القُلوبِ ، ولَنَفى مُعتَلِجَ الرَّيبِ مِنَ النّاسِ ، ولكِنَّ اللّهَ عز و جل يَختَبِرُ عَبيدَهُ بِأَنواعِ الشَّدائِدِ ، ويَتَعَبَّدُهُم بِأَلوانِ المَجاهِدِ ، ويَبتَليهِم بِضُروبِ المَكارِهِ ؛ إخراجاً لِلتَّكَبُّرِ مِن قُلوبِهِم ، وإسكاناً لِلتَّذَلُّلِ في أنفُسِهِم ، ولِيَجعَلَ ذلِكَ أبواباً فُتُحاً إلى فَضلِهِ ، وأسباباً ذُلُلاً لِعَفوِهِ وفِتنَتِهِ ، كَما قالَ : «الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَ هُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ» . ۴

1.رَمَلَ : إذا أسرع في المشي وهزّ منكبيه (النهاية : ج ۲ ص ۲۶۵ «رمل») .

2.البُرّ : الحنطة (لسان العرب : ج ۴ ص ۵۵ «برر») .

3.العَرصَة : كلّ بقعةٍ بين الدور واسعة ليس فيها بناء . و تجمع عراصاً وعَرَصات (لسان العرب : ج ۷ ص ۵۲ «عرص») .

4.الكافي : ج ۴ ص ۱۹۸ ح ۲ ، نهج البلاغة : الخطبة ۱۹۲ نحوه، بحارالأنوار : ج ۱۴ ص ۴۶۹ ح ۳۷ .

الصفحه من 171