الأمة (تفصیلی) - الصفحه 31

الصُّدورِ ، وتَدابُرِ النُّفوسِ ، وتَخاذُلِ الأَيدي .
وتَدَبَّروا أحوالَ الماضينَ مِنَ المُؤمِنينَ قَبلَكُم . . . فَانظُروا كَيفَ كانوا حَيثُ كانَتِ الأَملاءُ ۱ مُجتَمِعَةً ، وَالأَهواءُ مُؤتَلِفَةً (مُتَّفِقَةً) ، وَالقُلوبُ مُعتَدِلَةً ، وَالأَيدي مُترادِفَةً (مُتَرافِدَةً) ، وَالسُّيوفُ مُتَناصِرَةً ، وَالبَصائِرُ نافِذَةً ، والعَزائِمُ واحِدَةً .
ألَم يَكونوا أربابا ۲ في أقطارِ الأَرَضينَ ، ومُلوكا عَلى رِقابِ العالَمينَ ؟ ! فَانظُروا إلى ما صاروا إلَيهِ في آخِرِ اُمورِهِم ، حينَ وَقَعَتِ الفُرقَةُ ، وتَشَتَّتَتِ الاُلفَةُ ، وَاختَلَفَتِ الكَلِمَةُ وَالأَفئِدَةُ ، وتَشَعَّبوا مُختَلِفينَ ، وتَفَرَّقوا مُتَحارِبينَ (مُتَحازِبينَ) ، قَد خَلَعَ اللّهُ عَنهُم لِباسَ كَرامَتِهِ ، وسَلَبَهُم غَضارَةَ ۳ نِعمَتِهِ ، وبَقِيَ قَصَصُ أخبارِهِم فيكُم عِبَرا للمُعتَبِرينَ .
فَاعتَبِروا بِحالِ وَلَدِ إسماعيلَ وبَني إسحاقَ وبَني إسرائيلَ عليهم السلام ، فَما أشَدَّ اعتِدالِ الأَحوالِ، وأقرَبَ اشتِباهِ الأَمثالِ .
تَأَمَّلوا أمرَهُم في حالِ تَشَتُّتِهِم وتَفَرُّقِهِم، لَيالِيَ كانَتِ الأَكاسِرَةُ وَالقَياصِرَةُ أربابا لَهُم، يَحتازونَهُم عَن ريفِ الآفاقِ، وبَحرِ العِراقِ، وخُضرَةِ الدُّنيا، إلى مَنابِتِ الشّيحِ ۴ ، ومَهافِي الرّيحِ، ونَكَدِ المَعاشِ، فَتَرَكوهُم عالَةً مَساكينَ، إخوانَ دَبَرٍ ووَبَرٍ ۵ ، أذَلَّ الاُمَمِ دارا، وأجدَبَهُم قَرارا، لا يَأوونَ إلى جَناحِ دَعوَةٍ يَعتَصِمونَ بِها، ولا إلى ظِلِّ اُلفَةٍ يَعتَمِدونَ عَلى عِزِّها، فَالأَحوالُ مُضطَرِبَةٌ، وَالأَيدي مُختَلِفَةٌ، وَالكَثرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ؛

1.المَلَأُ : أشراف الناس ورؤساؤهم ، وجمعه : أملاء (النهاية : ج ۴ ص ۳۵۱ «ملأ») .

2.الرَّبُّ : المَالِكُ والسيّد . . . (النهاية : ج ۲ ص ۱۷۹ «ربب») .

3.الغَضَارَةُ : الخيرُ والسَّعَةُ في العيشِ (تاج العروس : ج ۷ ص ۳۱۱ «غضر») .

4.الشّيحُ : نبات سهلي يُتّخذ من بعضه المكانس، له طعم مرّ (لسان العرب : ج ۲ ص ۵۰۲ «شيح») .

5.أهلُ وَبَر : أي أهل البوادي والقُرى، وهو من وبر الإبل، لأنّ بيوتهم يتّخذونها منه (النهاية : ج ۵ ص ۱۴۵«وبر») .

الصفحه من 171