ودُلِّيَ لَهُ رَفرَفٌ أخضَرُ ، غُشِّيَ عَلَيهِ نورٌ عَظيمٌ حَتّى كانَ في دُنُوِّهِ كَقابِ قَوسَينِ أو أدنى ، وهُوَ مِقدارُ ما بَينَ الحاجِبِ إلَى الحاجِبِ ، وناجاهُ بِما ذَكَرَهُ اللّهُ تَعالى في كِتابِهِ ، في سورَةِ البَقَرَةِ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «وَإِن تُبْدُواْ مَا فِى أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ» 1 .
وكانَت هذِهِ الآيَةُ قَد عُرِضَت عَلى سائِرِ الاُمَمِ مِن لَدُن آدَمَ عليه السلام إلى مَبعَثِ النَّبِيِّ المُعَظَّمِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَأَبَوا جَميعا أن يَقبَلوها مِن ثِقَلِها ، وقَبِلَها مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله واُمَّتُهُ ، فَلَمّا رَأَى اللّهُ تَعالى مِنهُ وَمِن اُمَّتِهِ القَبولَ خَفَّفَ عَنهُ ثِقَلَها ، فَقالَ اللّهُ تَعالى لِمُحَمَّدٍ : «ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَا اُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ» ثُمَّ إنَّ اللّهَ تَعالى تَكَرَّمَ عَلى مُحَمَّدٍ ، وأشفَقَ عَلَيهِ مِن شَديدِ الآيَةِ التَّي قَبِلَها هُوَ واُمَّتُهُ ، فَأَجابَ عَن نَفسِهِ واُمَّتُهُ فَقالَ : «وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ» ، فَقالَ اللّهُ تَعالى : لَهُمُ المَغفِرَةُ وَالجَنَّةُ إذا فَعَلوا ذلِكَ ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : «سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» 2 ، يَعنِي المَرجِعَ فِي الآخِرَةِ ، فَأَجابَهُ سُبحانَهُ : قَد فَعَلتُ ذلِكَ، تُباهي اُمَّتُكَ الاُمَمَ ، قَد أوجَبتُ لَهُمُ المَغفِرَةَ .
ثُمَّ قالَ اللّهُ تَعالى : أمّا إذا قَبِلتَها أنتَ وَاُمَّتُكَ ، وقَد كانَت مِن قَبلُ عَرَضتُها عَلَى الأَنبِياءِ وَالاُمَمِ فَلَم يَقبَلوها ، فَحَقَّ عَلَيَّ أن أرفَعَها عَن اُمَّتِكَ ، فَقالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ» مِن خَيرٍ «وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ» مِن شَرٍّ . ثُمَّ ألهَمَ اللّهُ تَعالى نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله أن قالَ : «رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا» ، فَقالَ اللّهُ سُبحانَهُ : لِكَرامَتِكَ يا مُحَمَّدُ عَلَيَّ، إنَّ الاُمَمَ السّابِقَةَ كانوا إذا نَسوا ما ذُكِّروا فَتَحتُ عَلَيهِم أبوابَ عَذابي ، وقَد رَفَعتُ ذلِكَ عَن اُمَّتِكَ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ