قَد فَعَلتُ ذلِكَ ، تُباهِي الاُمَمَ اُمَّتُكَ ، ثُمَّ قالَ : «فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ»۱ . قالَ اللّهُ تَعالى قَد فَعَلتُ ذلِكَ ، وجَعَلتُ اُمَّتَكَ يا أَحمَدُ كَالشّامَةِ البَيضاءِ فِي الثَّورِ الأَسوَدِ ، هُمُ القادِرونَ ، وهُمُ القاهِرونَ ، يَستَخدِمونَ ولايَخدِمونَ ، لِكَرامَتِكَ عَلَيَّ ، وحَقٌّ عَلَيَّ أن اُظهِرَ دينُكَ عَلَى الأَديانِ حَتّى لا يَبقى في شَرقِ الأَرضِ ولا في غَربِها دينٌ إلّا دينُكَ ، ويُؤَدّونَ إلى أهلِ دينِكَ الجِزيَةَ وهُم صاغِرونَ ، «وَ لَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً اُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَ مَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى»۲ .
فَهذا أعظَمُ يا أَخَا اليَهودِ مِن مُناجاتِهِ لِموسى عليه السلام عَلى طورِ سَيناءَ ، ثُمَّ زادَ اللّهُ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله أن مَثَّلَ النَّبِيّينَ فَصَلّى بِهِم وهُم خَلفَهُ يَقتَدونَ بِهِ ، ولَقَد عايَنَ تِلكَ اللَّيلَةَ الجَنَّةَ وَالنّارَ ، وعُرِجَ بِهِ سَماءً سَماءً ، وسَلَّمَت عَلَيهِ المَلائِكَةُ ، فَهذا أكثَرُ مِن ذلِكَ .
قالَ اليَهودِيُّ : فَإِنَّ اللّهَ تَعالى ألقى عَلى موسى مَحَبَّةً مِنهُ .
فَقالَ لَهُ عليه السلام : لَقَد كانَ كَذلِكَ ، ومُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله ألقى عَلَيهِ مِنهُ مَحَبَّةً ، فَسَمَّاهُ حَبيبا ، وذلِكَ أنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أرى إبراهيمَ عليه السلام صورَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله واُمَّتِهِ ، فَقالَ : يا رَبِّ، ما رَأَيتُ مِن اُمَمِ الأَنبِياءِ أنوَرَ مِن هذِهِ الاُمَّةِ ، فَمَن هذا ؟
فَنودِيَ: هذا مُحَمَّدٌ حَبيبي ، لا حَبيبَ لي مِن خَلقي غَيرُهُ ، أحبَبتُهُ قَبلَ أن أخلُقَ سَمائي وَأرضي ، وَسَمَّيتُهُ نَبِيّا وأبوكَ آدَمُ يَومَئِذٍ مِنَ الطّينِ ، ما أجرَيتُ فيهِ روحا ، وأقسَمَ بِحَياتِهِ في كِتابِهِ ، فَقالَ اللّهُ تَعالى : «لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ»۳ أي : وحَياتِكَ يا مُحَمَّدُ ، وكَفى بِهذا رِفعَةً وشَرَفا مِنَ اللّهِ عز و جل ورُتبَةً .