اهل البیت (تفصیلی) - الصفحه 485

مَسنونُ الوَجهِ قَد أثَّرَ السُّجودُ في جَبهَتِهِ ، عَلَيهِ جُبَّةُ صوفٍ ، يَستَقِي الماءَ عَلى جَمَلٍ ، وقَدِ انصَرَفَ يَسوقُ الجَمَلَ لا يَضَعُ قَدَما ولا يَرفَعُها إلّا ذَكَرَ اللّهَ عز و جل ودُموعُهُ تَنحَدِرُ ، فَقُم وسَلِّم عَلَيهِ وعانِقهُ فَإِنَّهُ سَيَذعَرُ مِنكَ كَما يَذعَرُ الوَحشُ ، فَعَرِّفهُ نَفسَكَ وَانتَسِب لَهُ فَإِنَّهُ يَسكُنُ إلَيكَ ويُحَدِّثُكَ طَويلاً ، ويَسأَلُكَ عَنّا جَميعا ، ويُخبِرُكَ بِشَأنِهِ ولا يَضجَرُ بِجُلوسِكَ مَعَهُ ، ولا تُطِل عَلَيهِ ووَدِّعهُ ، فَإِنَّهُ سَوفَ يَستَعفيكَ مِن العَودَةِ إلَيهِ ، فَافعَل ما يَأمُرُكَ بِهِ مِن ذلِكَ ، فَإِنَّكَ إن عُدتَ إلَيهِ تَوارى عَنكَ وَاستَوحَشَ مِنكَ وَانتَقَلَ عَن مَوضِعِهِ وعَلَيهِ في ذلِكَ مَشَقَّةٌ . فَقُلتُ : أفعَلُ كَما أمَرتَني .
ثُمَّ جَهَّزَني إلَى الكوفَةِ ووَدَّعتُهُ وخَرَجتُ . فَلَمّا وَرَدتُ الكوفَةَ قَصَدتُ سِكَّةَ بَني حَيٍّ بَعدَ العَصرِ ، فَجَلَستُ خارِجَها بَعدَ أن تَعَرَّفتُ البابَ الَّذي نَعَتَهُ لي ، فَلَمّا غَرَبَتِ الشَّمسُ إذا أنَا بِهِ قَد أقبَلَ يَسوقُ الجَمَلَ ، وهُوَ كَما وَصَفَ لي أبي لا يَرفَعُ قَدَما ولا يَضَعُها إلّا حَرَّكَ شَفَتَيهِ بِذِكرِ اللّهِ ، ودُموعُهُ تَرَقرَقُ في عَينَيهِ وتَذرِفُ أحيانا . فَقُمتُ فَعانَقتُهُ ، فَذَعِرَ مِنّي كَما يَذعَرُ الوَحشُ مِنَ الإِنسِ ، فَقُلتُ : يا عَمِّ ، أنَا يَحيَى بنُ الحُسَينِ بنِ زَيدٍ ، اِبنُ أخيكَ .
فَضَمَّني إلَيهِ وبَكى حَتّى قُلتُ قَد جاءَت نَفسُهُ ، ثُمَّ أناخَ جَمَلَهُ وجَلَسَ مَعي فَجَعَلَ يَسأَلُني عَن أهلِهِ رَجُلاً رَجُلاً وَامرَأَةً اِمرَأَةً وصَبِيّا صَبِيّا ، وأنَا أشرَحُ لَهُ أخبارَهُم وهُوَ يَبكي .
ثُمَّ قالَ : يا بُنَيَّ ، أنَا أستَقي عَلى هذَا الجَمَلِ الماءَ ، فَأَصرِفُ ما أكتَسِبُ ـ يَعني مِن اُجرَةِ الجَمَلِ ـ إلى صاحِبِهِ وأتَقَوَّتُ باقِيَهُ ، ورُبَّما عاقَني عائِقٌ عَنِ استِقاءِ الماءِ فَأَخرُجُ إلَى البَرِيَّةِ ـ يَعني بِظَهرِ الكوفَةِ ـ فَأَلتَقِطُ ما يَرمِي النّاسُ بِهِ مِنَ البُقولِ فَأَتَقَوَّتُهُ . وقَد تَزَوَّجتُ إلى هذَا الرَّجُلِ ابنَتَهُ ، وهُوَ لا يَعلَمُ مَن أنَا إلى وَقتي هذا ، فَوَلَدَت مِنّي بِنتا فَنَشَأَت وبَلَغَت وهِيَ أيضا لا تَعرِفُني ولا تَدري مَن أنَا ، فَقالَت لي

الصفحه من 540