البدعة (تفصیلی) - الصفحه 16

سَطوَتِهِ ، وكَيفَ مَحَقَ مَن مَحَقَ بِالمَثُلاتِ ، وَاحتَصَدَ مَنِ احتَصَدَ بِالنَّقِماتِ .
وإنَّهُ سَيَأتي عَلَيكُم مِن بَعدي زَمانٌ لَيسَ فيهِ شَيءٌ أخفى مِنَ الحَقِّ ، ولا أظهَرَ مِنَ الباطِلِ ، ولا أكثَرَ مِنَ الكَذِبِ عَلَى اللّهِ ورَسولِهِ ، ولَيسَ عِندَ أهلِ ذلِكَ الزَّمانِ سِلعَةٌ أبوَرَ مِنَ الكِتابِ إذا تُلِيَ حَقَّ تِلاوَتِهِ ، ولا أنفَقَ مِنهُ إذا حُرِّفَ عَن مَواضِعِهِ ، ولا فِي البِلادِ شَيءٌ أنكَرَ مِنَ المَعروفِ ، ولا أعرَفَ مِنَ المُنكَرِ ، فَقَد نَبَذَ الكِتابَ حَمَلَتُهُ ، وتَناساهُ حَفَظَتُهُ ، فَالكِتابُ يَومَئِذٍ وأهلُهُ طَريدانِ مَنفِيّانِ ، وصاحِبانِ مُصطَحِبانِ في طَريقٍ واحِدٍ لا يُؤويهِما مُؤوٍ ، فَالكِتابُ وأهلُهُ في ذلِكَ الزَّمانِ فِي النّاسِ ولَيسا فيهِم ، ومَعَهُم ولَيسا مَعَهُم ، لِأَنَّ الضَّلالَةَ لا تُوافِقُ الهُدى ، وإنِ اجتَمَعا ، فَاجتَمَعَ القَومُ عَلَى الفُرقَةِ ، وَافتَرَقوا عَلَى الجَماعَةِ ، كَأَنَّهُم أئِمَّةُ الكِتابِ ، ولَيسَ الكِتابُ إمامَهُم ، فَلَم يَبقَ عِندَهُم مِنهُ إلَا اسمُهُ ، ولا يَعرِفونَ إلّا خَطَّهُ وزَبرَهُ ، ومِن قَبلُ ما مَثَّلوا بِالصّالِحينَ كُلَّ مُثلَةٍ ، وسَمَّوا صِدقَهُم عَلَى اللّهِ فِريَةً ، وجَعَلوا فِي الحَسَنَةِ عُقوبَةَ السَّيِّئَةِ .
وإنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبلَكُم بِطولِ آمالِهِم وتَغَيُّبِ آجالِهِم ، حَتّى نَزَلَ بِهِمُ المَوعودُ الَّذي تُرَدُّ عَنهُ المَعذِرَةُ ، وتُرفَعُ عَنهُ التَّوبَةُ ، وتَحُلُّ مَعَهُ القارِعَةُ وَالنَّقِمَةُ .
أيُّهَا النّاسُ ، إنَّهُ مَنِ استَنصَحَ اللّهَ وُفِّقَ ، ومَنِ اتَّخَذَ قَولَهُ دَليلاً هُدِيَ «لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ» ؛ فَإِنَّ جارَ اللّهِ آمِنٌ ، وعَدُوَّهُ خائِفٌ ، وإنَّهُ لا يَنبَغي لِمَن عَرَفَ عَظَمَةَ اللّهِ أن يَتَعَظَّمَ ؛ فَإِنَّ رِفعَةَ الَّذينَ يَعلَمونَ ما عَظَمَتُهُ أن يَتَواضَعوا لَهُ ، وسَلامَةَ الَّذينَ يَعلَمونَ ما قُدرَتُهُ أن يَستَسلِموا لَهُ ، فَلا تَنفِروا مِنَ الحَقِّ نِفارَ الصَّحيحِ مِنَ الأَجرَبِ ، وَالبارِئِ مِن ذِي السَّقَمِ ، وَاعلَموا أنَّكُم لَن تَعرِفُوا الرُّشدَ حَتّى تَعرِفُوا الَّذي تَرَكَهُ ، ولَن تَأخُذوا بِميثاقِ الكِتابِ حَتّى تَعرِفُوا الَّذي نَقَضَهُ ، ولَن تَمَسَّكوا بِهِ حَتّى تَعرِفُوا الَّذي نَبَذَهُ ، فَالتَمِسوا ذلِكَ مِن عِندِ أهلِهِ ، فَإِنَّهُم عَيشُ العِلمِ ، ومَوتُ الجَهلِ ، هُمُ الَّذينَ يُخبِرُكُم حُكمُهُم عَن عِلمِهِم ، وصَمتُهُم عَن مَنطِقِهِم ، وظاهِرُهُم عَن باطِنِهِم ، لا يُخالِفونَ الدّينَ

الصفحه من 94