الأبدال والأوتاد والأقطاب - الصفحه 25

نَظَرَ فَأَبصَرَ ، وذَكَرَ فَاستَكثَرَ ، وَارتَوى مِن عَذبٍ فُراتٍ سُهِّلَت لَهُ مَوارِدُهُ ، فَشَرِبَ نَهَلاً ۱ ، وسَلَكَ سَبيلاً جَدَدا . ۲
قَد خَلَعَ سَرابيلَ الشَّهَواتِ ، وتَخَلّى مِنَ الهُمومِ ، إلّا هَمّا واحِدا انفَرَدَ بِهِ ، فَخَرَجَ مِن صِفَةِ العَمى ومُشارَكَةِ أهلِ الهَوى ، وصارَ مِن مفاتيحِ أبوابِ الهُدى ومَغاليقِ أبوابِ الرَّدى .
قَد أبصَرَ طَريقَهُ ، وسَلَكَ سَبيلَهُ ، وعَرَفَ مَنارَهُ ، وقَطَعَ غِمارَهُ ، وَاستَمسَكَ مِنَ العُرى بِأَوثَقِها ، ومِنَ الحِبالِ بِأَمتَنِها ، فَهُوَ مِنَ اليَقينِ عَلى مِثلِ ضَوءِ الشَّمسِ . قَد نَصَبَ نَفسَهُ للّهِِ سُبحانَهُ في أرفَعِ الاُمورِ ، مِن إصدارِ كُلِّ وارِدٍ عَلَيهِ ، وتَصييرِ كُلِّ فَرعٍ إلى أصلِهِ .
مِصباحُ ظُلُماتٍ ، كَشّافُ عَشَواتٍ ، مِفتاحُ مُبهَماتٍ ، دَفّاعُ مُعضِلاتٍ ، دَليلُ فَلَواتٍ . يَقولُ فَيُفهِمُ ، ويَسكُتُ فَيَسلَمُ ، قَد أخلَصَ للّهِِ فَاستَخلَصَهُ ، فَهُوَ مِن مَعادِنِ دينِهِ ، وأوتادِ أرضِهِ . ۳

1.يقال : أنهلتُهُ ؛ إذا سقَيتَه حتّى رَوِي ، ونَهِلَ البعيرُ نَهَلاً : شرب الشرب الأوّل حتّى رَوِىَ فهو ناهِل (المصباح المنير : ص ۶۲۸ «نهل») .

2.المكانُ الجَدَدُ : أي المستوي من الأرض (النهاية : ج ۱ ص ۲۴۵ «جدد») . وهو هنا على نحو الاستعارة .

3.نهج البلاغة : الخطبة ۸۷ ، أعلام الدين : ص ۱۲۷ ، شرح ابن ميثم على مئة كلمة للجاحظ : ص ۲۲۸ كلاهما نحوه ، بحارالأنوار : ج ۲ ص ۵۶ ح ۳۶ .

الصفحه من 28